الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "الوصفة الذهبية"

    في مقدمة الدلالات والمؤشرات والرسائل التي يبعث بها الفوز الساحق للإخوان المسلمين في انتخابات نقابة المهندسين التي أجريت يوم الجمعة الماضي، سقوط الرهان في الأوساط الرسمية، وبعض الأوساط السياسية، على أنّ قوة "الإخوان" تراجعت بصورة هائلة وحاسمة خلال الفترة الماضية.
    ليست الانتخابات الأخيرة فقط هي المؤشر، بل هناك انتخابات جامعية سبقتها، وانتخابات نقابة المعلّمين، وغيرها. لكن قيمة انتخابات "المهندسين" أنّ المنافس الذي وقف في وجه الحضور الإخواني التاريخي الطاغي، لم يكن تياراً موالياً تقليدياً أو حزبياً خشبياً، بل تيار جديد يقوده المهندس خالد رمضان، الذي ينتمي إلى الحراك الشعبي والنخبة المعارضة، ويتبنى البديل الإيديولوجي للإخوان بخطاب علماني يساري قومي قوي ومؤثّر، ويمتلك قاعدة جيدة من الانتشار الشعبي، وله حضوره الواسع في الأوساط النخبوية والجماهيرية عموماً، وبصورة خاصة "الأردنيون من أصل فلسطيني" (مع الاعتذار عن المصطلح، لكنه لغايات التحليل) الذين يشكلون القاعدة الصلبة والقوية لجماعة الإخوان المسلمين.
    تمكن رمضان من انتزاع ورقة مهمة، تُحسب له، تتمثّل في "بناء منافس" حقيقي، وتقديم خطاب فكري بديل وجريء. ولم يكن الفارق في النتيجة كبيراً. مع ذلك، نجح "الإخوان" في اجتياز هذا الامتحان الصعب في هذه الفترة الحرجة.
    المفارقة أنّ هذه الانتصارات الانتخابية تتزامن مع أصوات في أروقة الدولة، بدأت منذ أعوام، تدعو إلى تحالف رسمي-يساري لمواجهة الإسلاميين، في ظل محاولة لاستبدال ما يعتبرونه "تحالفاً تاريخياً" سابقاً بين الدولة والإخوان. وهو اقتراح يفتقر إلى شروط رئيسة، كما يتمثل أبرزها في تحول المزاج الاجتماعي نحو الطابع الديني المحافظ، وبما يصطدم بالخطاب اليساري عموماً، ويضعف قدرة اليسار على المنافسة القوية في الشارع.
    فوق هذا وذاك، من الصعوبة بمكان تصوّر نجاح أي زواج بين اليساريين والدولة الأردنية، التي هي بطابعها محافظة، إلاّ إذا كان "زواج متعة" محدوداً وقصيراً جداً، ما قد تنتج عنه صيغة يسارية شبيهة بصيغة إسلامية أخرى معدّلة ملحقة بالسياسات الرسمية، لكنّها لن تنتج "اختراقاً" سياسياً حقيقياً لإضعاف "الإخوان".
    إلا أن ما يحدث، عادةً، هو إدماج نخبة من اليساريين في مؤسسات الدولة ومواقعها. وعندها، لن يبقى هؤلاء ممثلين للتيار اليساري بصورته التقليدية المعروفة، بل سيتحولون إلى جزء من ماكينة الدولة. وذلك بالمناسبة ليس خاطئا، فهو يطعّم خطاب الدولة بلون مهم في المشهد السياسي.
    البديل الثاني عن الإخوان المسلمين يتمثّل في دعم عمليات الانشقاق والتمرّد، مثلما حصل مؤخراً مع تأسيس جمعية بالاسم ذاته، عبر المراقب العام الأسبق عبدالمجيد الذنيبات، ومعه قيادات معتبرة في الجماعة. لكن بالرغم من الدعم الرسمي للفكرة، وتبنّيها بوصفها الإطار البديل عن الجماعة الحالية، ومع كل الدعاية الإعلامية والسياسية لها، إلاّ أنّ الجسم الرئيس بقي مع الجماعة، والأهم أنّ الجماهيرية والشعبية لم تذهبا مع نخبة "الجماعة الجديدة". وهي تجربة مكررة مجترة حدثت سابقاً، وإن كانت هذه المرّة تأخذ طابعاً مختلفاً، في محاولة لحظر الجماعة نفسها وإلغائها لصالح "الإطار الجديد"، لكن الانتخابات تؤكد أنّ جمهور الحركة والنسبة الكبرى من أبنائها هم مع خط "الجماعة الأمّ".
    "الوصفة الذهبية"، التي تتجنّبها الدولة، تتمثل في العملية الديمقراطية، كما حدث في المغرب وتونس. إذ بدلاً من التفكير المستمر في إضعاف الإسلاميين وتهميشهم وحصارهم والتضييق عليهم، عبر "طبخات محروقة" فاشلة، فإن الأفضل إدماجهم في الحياة السياسية، ودفعهم إلى تطوير خطابهم وآلياتهم ومواقفهم نحو البراغماتية والواقعية، وتعزيز التيار المعتدل داخل الجماعة، لا تحفيزه لخلعها، والانخلاع منها!





    [11-05-2015 10:24 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع