الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    درس في الديمقراطية !

    قد لا يهتم مواطننا بمؤشرات الانتخابات البريطانية وتأثيراتها الداخلية والاوروبية؟؟ في ظرف ينشغل فيه بما يجري في وطنه العربي، وهو كثير، ودموي، ومتشعب وأخطر حقبة مصيرية تداهمنا، وتعصف بمصالحنا ومستقبلنا.
    لكن الانتخابات البريطانية تستحق المتابعة، ليس لأنها تشكل درسا مثيرا لكل المهتمين بمستقبل الديمقراطية في وطننا، وانما لأنها تؤثر على مستقبل الوحدة الاوروبية.. وأوروبا جارة للعرب، وشريكة على المتوسط، وقوة عظمى دبلوماسية وسياسية في مكونات المجتمع الدولي.
    والنجاح الساحق وغير المتوقع لحزب المحافظين يشبه في ظروفه ومفاجأته سقوط هذا الحزب، بعد انتصار بريطانيا وونستون تشرشل بالذات في الحرب العالمية الثانية. فقد كان المتوقع نجاح الحزب الذي فاز في الحرب لكن الناخب البريطاني الذي كان يتشوق الى حياة مختلفة عن حياته الصعبة في الحرب، وجد ان العمال وحزبهم هم الأفضل لهذه المرحلة، بعد ان اثبتوا اثناء توليهم لوزارات الخدمات، وادارتها بطريقة ذكية وحازمة. فقد لجأ تشرشل الى تشكيل حكومة وطنية من الحزبين الرئيسيين تولى العمال وزارات الداخل، وادارة تبعاتها ومسؤولياتها: الطعام، والسكن، والشؤون الصحية والاجتماعية، ومعالجة ضحايا القصف الصاروخي وسلاح الجو الالماني.. من لجوء وانقاذ الأطفال وقد تم ترحيل الآلاف منهم الى كندا.
    الناخب البريطاني وقتها اراد العمال وليس المحافظين الذين اداروا الحرب وحققوا الانتصار فيها. وذهب تشرشل الى المعارضة.
    الآن، يجد الناخب البريطاني ان عليه الابقاء على المحافظين في الحكم. لأنهم أقدر على الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة في مواجهة رغبة احزاب اسكتلندا في الانفصال، ويشاركهم الويلزيون، والايرلنديون الشماليون. فقبل أشهر نجحت نداءات رئيس الوزراء لناخبي اسكتلندا بالتصويت للبقاء في المملكة المتحدة، وأفشلت النتائج الحزب القومي.. الذي نجح في هذه الانتخابات نجاحا ساحقا واستحوذ على الخمسين مقعدا المخصصة لاسكتلندا !!
    المؤشر الثاني المهم هو التزام رئيس الوزراء المحافظ باخراج بريطانيا من الوحدة الاوروبية عام 2017، بعد اخذ وقته للتفاوض مع مجلسها.. والعودة الى الاستفتاء الشعبي بما توصل اليه في المفاوضات. وهذه المرة الثانية التي تقف فيها بريطانيا موقف التلكؤ في عضويتها من الرابطة الاوروبية: ففي أيام تاتشر وجدت بريطانيا انها تدفع اكثر مما تأخذ في الصندوق الزراعي، فتم تخفيض حصتها وحصة الدانمارك، واعفاءهما من الاشتراك في اليورو عملة اوروبا الموحدة.
    لقد كان الجنرال ديغول اكثر الناس يقينا بأن بريطانيا لا يمكن ان تكون اوروبية. وكان يتهمها بأنها اصبع الولايات المتحدة في اوروبا. ولم يكن ذلك تنجيما فلكيا، بقدر ما كان رصدا للتاريخ !.
    انتخابات بريطانيا تستحق من المهتمين بالتطور الديمقراطي في وطننا، المتابعة والدارسة الجادة. فأقدم الديمقراطيات وأكثرها رسوخا يمكن ان تقدم دروسا مجانية للقلة القليلة التي ما تزال تحلم بوطن ديمقراطي بعيد عن الرصاص، والانقلاب، والتعصب المذهبي والعنصري.





    [09-05-2015 03:55 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع