الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ما هو الإنجاز المهم في لوزان؟

    وسط الجدل المستمر بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق مجموعة "5+1" مع إيران حول برنامجها النووي، لم يلتفت كثيرون إلى حقيقة تتجاوز في أهميتها الموقف من الاتفاق، وهي نجاح الدبلوماسية في تسوية أزمة دولية بالطرق السلمية، من دون الحاجة للجوء إلى استخدام القوة.
    لم يحصل منذ عقود طويلة أن حققت الدبلوماسية إنجازا كهذا. في العقدين الماضيين على الأقل، لم تسجل الدبلوماسية نجاحا يذكر في حل النزاعات الدولية. وكان اللجوء إلى استخدام القوة، في البلقان والعراق وأفغانستان، تعبيرا جليا عن فشل الدبلوماسية في التوصل لحلول سياسية عبر آلية المفاوضات. وفي الحالات التي تم فيها التوصل لتفاهمات دولية، كان لا بد من استخدام القوة لتطبيقها؛ بسبب إخفاق الدبلوماسية في تحقيق الهدف.
    بالنسبة لإدارة الرئيس باراك أوباما، ما تحقق في لوزان هو حدث تاريخي وغير مسبوق. فبسبب فشل الدبلوماسية الأميركية المزمن في حل النزاعات بالطرق الدبلوماسية، أو امتناع بعض الإدارات الأميركية عن تجريب هذا الخيار بشكل جدي، تورطت الولايات المتحدة في حروب مكلفة، جلبت العار إليها.
    في لوزان، استعادت الدبلوماسية الأميركية الثقة بنفسها، وبقدرتها على تقديم خيارات بديلة لحل النزاعات، من دون تكبيد شعبها واقتصادها الخسائر البشرية والمادية، وفوقها الأضرار الفادحة التي لحقت بصورة أميركا بوصفها "شرطي العالم".
    لقد ظهر في لوزان أن بإمكان الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لعب دور قيادي بنّاء، عوضا عن صورتها السائدة كإمبراطورية تبطش بشعوب العالم ودوله الضعيفة.
    إنه تحول تاريخي كبير في دور الولايات المتحدة، يسجل في رصيد باراك أوباما الذي أخذ على عاتقه، منذ تولي رئاسة الولايات المتحدة، عدم خوض حروب جديدة في العالم، سوى تلك الحرب على الإرهاب التي فرضتها التطورات، ليس على الولايات المتحدة فحسب، وإنما على دول العالم أجمع.
    العرب معنيون بهذا التحول التاريخي في السياسة الأميركية أكثر من غيرهم. فقضية الشعب الفلسطيني؛ آخر مظلمة في التاريخ المعاصر، لم تجد حلا، وكانت على الدوام ضحية الفشل الدبلوماسي في إيجاد حل عادل لها يرفع الاحتلال عن كاهل الشعب الفلسطيني، ويعيد له حقه الشرعي.
    لقد أدركت إسرائيل خطورة الاتفاق حول الملف النووي الإيراني من هذه الزاوية، وباتت تخشى من أن يغري النجاح الدبلوماسي في لوزان أميركا والغرب في السعي من أجل اختراق تاريخي مماثل على جبهة الصراع العربي-الإسرائيلي. ولهذا ربما سارع بنيامين نتنياهو إلى دعوة واشنطن إلى الضغط على إيران لكي تعترف بحق إسرائيل في الوجود، لصرف الأنظار عن تنكر إسرائيل لمن هم أولى بهذا الاعتراف، وهم الفلسطينيون الذين يقبعون تحت الاحتلال، وترفض إسرائيل حتى اليوم حقهم في دولة مستقلة على حدود 67.
    نجاح الدبلوماسية في إيران هي لحظة فريدة للعرب. عليهم أن يشرعوا على الفور بمطالبة واشنطن والدول الغربية بإظهار نفس القدر من الإرادة للتوصل إلى حل، عبر آلية المفاوضات، ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ويلزم إسرائيل بقبوله من دون إبطاء.
    سيذكر العالم للرئيس الأميركي باراك أوباما الفضل بأنه جنب العالم ويلات حرب مدمرة مع إيران. لكن إدارته في الفصل الأخير من ولايتها الثانية، أمام فرصة لدخول التاريخ؛ إن هي تمكنت من التوصل لتسوية عادلة تنصف الشعب الفلسطيني.





    [08-04-2015 08:24 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع