الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    صراع طائفي أم سياسي؟!

    من العبث إنكار النفق الخطير الذي آلت إليه الصراعات الداخلية المسلحة في كل من العراق وسورية واليمن، أو حتى الطابع الذي يطغى على الأزمات الداخلية في كل من لبنان والبحرين. فالطائفية هي الكلمة المقلقة المرعبة اليوم، التي تهدد الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي العربيين، وتنذرنا بحرب ممتدة طويلة، قد تستغرق عقوداً من الزمن، وتفتت الدول والمجتمعات وتقسّم الأوطان إلى حدود دموية عرقية ودينية وطائفية.
    قد يبدو ذلك التوصيف دقيقاً، من زاوية النتيجة والخلاصة، لكنه ليس كذلك من زاوية الأسباب والشروط والديناميكيات. فالأصل فيما يحدث في العالم العربي اليوم لم يكن صراعاً طائفياً أو دينياً أو عرقياً، بل كان سياسياً بامتياز!
    لو عدنا إلى الأوضاع في كل من سورية والعراق، لوجدنا أن المشكلة كانت تتمثل في وجود شريحة اجتماعية واسعة تعاني من التهميش السياسي والظلم وغياب العدالة والإقصاء. وعندما بدأت ثورتها، كانت ذات طابع سلمي شعبي، قبل أن تتحول إلى مواجهة عسكرية قاسية، وحرب داخلية أهلية طاحنة.
    والحال في اليمن لا تختلف كثيراً عن ذلك. فالحوثيون كانوا يمسكون بمطالب سياسية، وخطاب يدعو إلى العدالة والمساواة، قبل أن تتحول حركتهم لاحقاً إلى المجال العسكري. وقس على ذلك المطالبات السياسية في أكثر من مكان في العالم العربي بالمشاركة والعدالة وإزالة التهميش السياسي.
    لم تكن المسألة في البداية مرتبطة بصراع داخلي طائفي. لكن الأنظمة والحكومات التي تقوم على دعائم الاستبداد والفساد والاستئثار بالسلطة، هي التي حرفت طبائع الصراع ومجريات الأمور، وهي التي ولّدت الروح الطائفية؛ سواء من خلال سياساتها أو ردود الفعل عليها، وجرياً على القاعدة التاريخية التقليدية: "فرّق تسد"، أو القاعدة الجديدة: إمّا أنا أو الطوفان = "داعش" و"القاعدة"!
    وحتى لو نظرنا إلى الحروب بالوكالة التي تتم عبر الطوائف والقوى السياسية المتحاربة، سواء في العراق أو سورية أو اليمن، والدول التي تقف وراء هذه "الحرب الباردة" والصراعات الإقليمية، فالأساس والأصل فيها هو الصراع على المصالح والنفوذ والسلطة، وليست الطائفية إلاّ ورقة من أوراق اللعبة التي تستخدم اليوم بين هذه الدول، أو أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية.
    لو دقّقنا النظر في السياسة الإيرانية، فإنّ مفهوم تصدير الثورة نفسه اختلف بين حقبتي الخميني (كان يتحدث عن ثورة إسلامية شعبوية) وأحمدي نجاد وما بعده (تحول تصدير الثورة إلى المعنى الطائفي البحت)، وأصبح الشيعة بمثابة عامل من عوامل النفوذ الإيراني وبسط الهيمنة الفارسية. وهو ما يمكن ملاحظته في العراق وسورية واليمن ولبنان بوضوح. فالهدف هو أن تصبح إيران قوّة إقليمية ذات شوكة كبرى، وأن تبسط سيطرتها على العديد من الدول والعواصم العربية. والحلم بدرجة أولى هو فارسي، لكنه بحاجة إلى غطاء شرعي وديني يتمثل في التشيّع والشيعة.
    الحال لا تختلف بالنسبة للدول العربية التي تدعم السُنّة في العراق وسورية واليمن؛ فالقصة ليست حباً بالديمقراطية وتحقيقاً للعدالة، وإلاّ فأين هي الديمقراطية العربية؟ إنّما القصة، أولاً وأخيراً، صراع استراتيجي مع إيران، وخوف من أن يطاول النفوذ الإيراني مصالح وسلطة هذه الحكومات.
    في المحصلة، صحيح أنّ الصراع الحالي امتزج بشدة بالجانب الطائفي، وهذا أخطر وأسوأ ما فيه، لكن علينا أن نتذكر دائماً أنّ القصة الطائفية ما هي إلاّ غطاء لمصالح سياسية صلبة متوارية وراءها!
    لو كانت هناك أنظمة ديمقراطية تعددية وتداول سلطة، أو بالحد الأدنى مشاركة في الحكم وعدالة؛ ولم يكن هناك فساد، لانقلبت الحالة الطائفية الحالية إلى نقيضها. لكن فتّش دائماً عن الاستبداد والفساد والتهميش والإقصاء؛ فالسياسة هي أصل البلاء!





    [08-04-2015 08:21 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع