الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لماذا تحول الأردنيون إلى لبنانيين؟
    من انفجار بيروت

    كلما حلت مصيبة في بلد عربي، او وقع حدث كبير، يشتد توتر العصب الأردني نحو عروبته، وليس أدل على ذلك من تواقيت متعددة، كان فيها أبناء الأردن، عربا قبل كل شيء.

    أغلب صفحات التواصل الاجتماعي الأردنية، انقلبت الى لبنانية، بسبب الانفجار الأخير، من نشر صور الضحايا، إلى امنيات السلامة للشعب اللبناني، مرورا بالتحليلات حول الحادثة، ونشر صورة العلم اللبناني، وغير ذلك، والظاهرة ليست جديدة، فقد خبرناها في قصص أخرى حدثت في العالم العربي، والذي يعود بذاكرته الى التواريخ المؤلمة، يجد الظاهرة متكررة.

    يأتيك من يقول نحن مع لبنان، لكن علينا الانشغال بهمومنا أولا، فلماذا نصبح لبنانيين اكثر من اللبنانيين، ويأتيك رأي ثاني يقول نحن مع الشعب اللبناني في مأساته، لكن علينا الا ننسى مشاكلنا، ثم رأي ثالث انعزالي لا يريد ان يتأثر بأي شأن عربي، وهؤلاء قلة قليلة جدا.

    هذه ميزة إنسانية واخلاقية للأردنيين فهم عرب أولا وأخيرا، وهم أبناء المنطقة، والكل يمتد عبر التاريخ بدمه وعائلته الى قبائل عربية عريقة، ومن الطبيعي ان يتحول الأردنيون الى لبنانيين ذات محنة، ويتحولوا الى فلسطينيين وغزة تحت القصف، والى مقدسيين والمسجد الأقصى تحت التهديد، ويتحولوا الى عراقيين وبغداد تقصفها الصواريخ الأميركية، وسوريين حين يصطفون الى جانب الشعب السوري، وهكذا نراهم عربا في كل موقف، وهذا لا يدينهم، بل يثبت ان الجذر كريم، وان الانسان الأصيل لا ينفصل عن اهله وجواره وامتداده الطبيعي.

    تأثر الأردني بسبب مصائب جواره العربي، حالة تستحق التحليل، ولربما لا يتأثر بعض العرب بذات الطريقة لو وقع حدث مؤلم هنا في الأردن، او في أي بلد عربي آخر، لكن علينا ان نشير الى ان التركيبة التاريخية لبلاد الشام، او كل الهلال الخصيب، تركيبة غنية وخصبة إنسانيا وثقافيا ووجدانيا، ولها خصوصيتها دون انعزال عن الآخرين، خصوصا، ان احد جوانب التأثر يرتبط بمعرفة الأردنيين ان هذه القضايا تؤثر عليه أيضا مباشرة، فهو طرف في المنطقة، يدرك بفطرته او خبرته، ان تدمير بغداد او دمشق او بيروت، واحتلال فلسطين، او العراق، قضايا ترتد عليه مباشرة على كل الأصعدة، من ناحية جيوسياسية، وواقعية.

    هذا فوق الذي اثبتته الأيام حين رأى الأردنيون بعيونهم كيف اصبح الأردن ملاذا لشعوب عربية كثيرة نجت بعرضها من الموت والخطر، واعادت تجديد حياتها من جديد في الأردن، بما يعزز الأردن كحاضنة قومية من جهة، فوق الاتصال المعرفي بحكايات كل هؤلاء العرب الذين قدموا الى الأردن، ووجدوا فيه حماية وعيشا ضمن الممكن والمتاح.

    ربما يستغرب البعض كيف يتحول الأردنيون الى لبنانيين في ليلة، لأن الزمن العربي الحالي، زمن كراهية وانقسامات وانعزال واحتراب، لكن لو عدنا الى الأردن في فترة الخمسينيات، والستينيات، وما بعدها، لوجدنا الأردن قوميا الى اعلى حدود التعبيرات، في زمن كانت فيه راية القومية غالبة على كل شيء، والاردنيون يومها يذهبون للدراسة في دمشق والقاهرة وبغداد، بكل يسر، ويعودون وقد تركت تجربتهم تأثيرا عميقا على شخصياتهم، وهذا يعني ان الموروث الذي نراه قد انتقل من جيل الى جيل، يفسر أيضا هذا الإحساس بالألم والفجيعة عند كل ضرر يتنزل على عربي في جوارنا، او في هذا العالم العربي المبتلى.

    هي سمة إيجابية، وهي بالتأكيد لا تلغي اهتمامنا بقضايانا الخاصة، ولا همومنا، ولا ازماتنا، فلدينا أيضا ما يكفينا، وما يفيض على غيرنا أيضا، لكن مشاعر التأثر طبيعية، وسوية، واخلاقية، تثبت اننا برغم الوعورة في حياتنا، لم نتخل عن هويتنا، فنحن أبناء هذه المنطقة، وما يؤلم أهلها يؤلمنا، فنحن منهم، وهم منا، فوق ان تحول الأردني الى عراقي او لبناني او فلسطيني او سوري او ليبي ساعة المحنة، لا يلغي خصوصيته ولا هويته ولا شخصيته، بل يثبت ان شخصيته عميقة، وليست طارئة على خريطة الزمن.

    انخفاض منسوب العروبة عند غيرنا، ليس هو المقياس ولا المعيار، لنا، دون ان ننكر هنا، ان تطهير الفضة العربية من السواد بحاجة الى وقت بعد ان طغى الخراب على العرب في كل شيء، في هذه الأيام الصعبة التي تجعل كل انسان بالكاد يتلفت لنفسه، قبل ابنه ربما.





    [06-08-2020 09:59 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع