الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حياتنا بعد كورونا

    ردود الفعل الجميلة على مقالي “حارة الزمن الجميل” شجعتني على المضي قدما بالحديث عن حياتنا الاجتماعية المقبلة. قبل ذلك أقول ان الردود وضعت في رقبة الصديق النائب والوزير والسفير السابق والأهم من كل ذلك الكاتب الاستثنائي أبو عمر محمد داوودية الذي اتحفنا بمقالات “تسجيلية” استذكارية ساحرة عن حياة جيل الستينيات ومجتمع وحارات وقيم وثقافة واحلام ذلك الزمن، وضعت في رقبته ومعه آخرون مسؤولية تحويل هذا التوثيق الرائع الى عمل درامي حديث سوف يبزّ ولا شك أعمالا سورية مثل باب الحارة او العمل الحالي شوارع الشام. وقد تم لفت انتباهي الى اغفالي الاشارة الى “حارة ابو عواد” وقد حث ذلك لأنني اختصرت بعض فقرات من المقال على عجل لأنه طال كثيرا عن استيعاب الزاوية ولم انتبه ان الاشارة الى حارة ابو عواد منها.

    لا أتخيل ان نعود كليا الى نمط الحياة الذي كان قبل الحظر أكان لأسباب اقتصادية تفرض نفسها أم لأن الاجازة القسرية كشفت لنا أشياء نخسرها في هذا اللهاث بلا نهاية. لهاث ينتهي في كل الأحوال الى شيخوخة – تقاعد تضعنا في عزلة على هامش السباق الذي لا يتوقف. ونكون وقتها فقط قد امتلكنا حكمة فات أوان تطبيقها ولن يلتفت لها أحد من الذين ما يزالون في المضمار. وكم قرأنا لكبار وصلوا الى اعلى مراتب النجاح في المال والأعمال والوظائف نفس الحكمة الأخيرة التي تقول امنحوا وقتا أكثر لأهلكم وأصدقائكم والاشياء التي تحبونها فالزمن المتوفر في الحياة قليل وثمين لكي يهدر كله على العمل والواجبات.

    ادخال تعديلات مهمة على نمط الحياة لن يكون فقط لأننا اكتشفنا أن طريقة حياتنا أسوأ مما نستحق أو نحب، بل لأنه سيكون ملزما لمواجهة آثار الجائحة اقتصاديا، فالنمط الاقتصادي الاجتماعي السائد اذا استمر سيودي بنا الى وضع مخيف. سيكون هناك ركود اقتصادي قاتل وجوع وبطالة وفقر شديد وأحقاد ونزاع وهزات اقتصادية اجتماعية خطيرة. واضطرابات تفلت عن السيطرة.

    يجب ان يكون هناك ابطاء عام لوتيرة الحياة والاقتصاد والاستهلاك عموما والطاقة خصوصا سوف تتحرك نصف السيارات ونستهلك نصف الوقود. وسيكون هناك خفض عام لمستوى المعيشة. هذا الخفض يكون مقبولا اذا عمّ واصبح نمط ثقافي اجتماعي. وليس انسحاقا لفئات خاسرة في المجتمع. ولنتذكر ايام زمان لم تكن القلّة عيبا ولم يكن التباين فاقعا. يقال إن خسائر الاقتصاد بالمليارات لكنها في الحقيقة ليست خسائر دفعت بل عوائد لم تأت بسبب توقف الأعمال وهي أثرت وسوف تؤثر على الطبقة الوسطى والدنيا وفائض ثروة المجتمع يمكن ان يغطي الجميع مؤقتا لحين استعادة الاقتصاد مسيرته. بعض القطاعات ضربت وستستمر مضروبة بصورة مؤلمة جدا لوقت طويل مثل السياحة. وللموضوع حديث آخر يجب ان يتصدى له اقتصاديون متخصصون يفكرون خارج الصندوق. انما سأعطي امثلة على للتفكير خارج الصندوق في التنظيم الاقتصادي الاجتماعي.

    نحن مجتمع يعمل بعض افراده كثيرا وآخرون لا يعملون ولا ينتجون وفي القطاع العام ثمة من يداومون دون وجود عمل أو لعمل متواضع جدا. وفي القطاع الخاص يعمل كثيرون بصورة مرهقة وآخرون عاطلون من شتى الأعمار. لماذا لا يعمل الجميع بطاقة كاملة ولوقت اقل. سنضاعف انتاجية المجتمع ويتلقى الجميع العوائد. يمكن ان نفكر بتحويل نظام العمل في المؤسسات العامة الى نصف وقته الحالي. مثلا تصبح ايام العمل اربعة في الاسبوع، يوم عمل ويوم عطلة بالتناوب للجميع ما يعني مضاعفة عدد العاملين مع وضع انظمة تجعل العمل حقيقيا لكل الوقت وفتح مجالات عمل اضافية لتوسيع وتحسين الخدمة واستخدام الرقابة الرقمية على العمل والانتاج. ويمكن تطبيق نفس المبدأ على القطاع الخاص.

    ساعات عمل اقل وعاملين اكثر وبفعالية افضل. وبالمناسبة في بعض دول شمال اوروبا تم تجربة ذلك وكانت الانتاجية موازية وأفضل. وسيتوفر وقت للعاملين لإنجاز كثير من الأعمال والاحتياجات الخاصة لبيوتهم وانفسهم وتوفير نفقاتهم. قد يعني هذا تقليص الارباح الرأسمالية؟ وليكن هذا جزءا من عملية التكيف الضرورية ويمكن تعويضها بتيسير القروض للاستثمار وبفوائد متدنية جدا. يجب تنقيص قيمة المال – النقد كثروة مخزونة وتيسير الاقراض لكل الاحتياجات ولآجال طويلة لتسهيل دوران الثروة لخدمة الجميع وهذا سيكون بالطبع على حساب ارباح البنوك التي يجب ان يتغير دورها الذي ان استمر كما عرفناه حتى الأمس فهو سيساهم في صنع الكارثة الاقتصادية الاجتماعية. وللحديث صلة





    [04-05-2020 01:11 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع