الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ما أخطر الثقة الزائدة عن الحد!!!

    الثقة بالنفس تعني «تقدير المرء ذاته على نحو يجعله يعتمد عليها كلياً مطمئناً إلى إمكانياته الجسدية والعقلية»، حسب ما يفيد قاموس المنجد الجديد وقاموس ويستر أيضاً. أي أن الثقة تعني الاعتقاد بصحة الشخص وبإخلاصه والركون إليه باطمئنان لأنه جدير بالثقة. ومن هنا نشأت فكرة الثقة في الحكومات في مجالس النواب أو مجالس الشعب.
    الثقة بالنفس والثقة بالآخرين ضرورية للبقاء الفردي والاجتماعي. وعندما تغيب عمودياً وأفقياً فإن على المجتمع والدولة السلام. ولكن المشكلة ليست في غياب الثقة فقط، بل في الثقة الزائدة عن الحد عند القائد أو الحاكم أو الفرد، أو المجتمع. إن سيطرتها على الواحد منهم دليل على خداع للنفس، بل إنه أقدم وأخطر شكل من أشكال خداع النفس. ويساعد اتساع اللغة وغناها على توسيع فرص الخداع الذاتي أو الثقة الزائدة عن الحد.
    تفيد البحوث التي يتوسع الكتاب الآتي في الاستشهاد بها
    Robert Trivers : the Folly of Fools , 2013، بأنه كلما زادت الثقة بالنفس عن الحد كان ذلك دليلاً على زيادة الجهل عند صاحبها. أي أنه كلما كان المرء أكثر ثقة بنفسه كان أكثر جهلاً في الواقع. ولو أنك تسأل الناس باستبانة عن ترتيب أنفسهم في مجال الثقة أو القيادة أو الصفات الإيجابية، لوجدت أن معظمهم يضع نفسه في المراتب العليا أو في القمة. إنها الثقة الزائدة بالنفس.
    تختلف (ظاهرة الثقة الزائدة) باختلاف الجنس والسن والمكانة، فهي عند الرجال أقوى منها عند النساء، وعند المسنين أقوى منها عند الأطفال والشباب، وعند أصحاب المراتب العليا في المجتمع أو الدولة أقوى منها عند العامة، وعند النرجسيين أقوى منها عند الناس العاديين، لأن النرجسيين ينظرون إلى أنفسهم كأفراد خاصين أو فريدين، مما يجعل وقوعهم أو احتمال وقوعهم في الخطأ في القرار أكبر.
    وتفيد البحوث بأن الثقة الزائدة قاعدة أو ظاهرة مشتركة بين الإنسان والحيوان، فالهر أو الكلب أو الأسد ينفش شعره ويكبر حجمه في المواقف العدائية، أي أن كلاً منهم يُبدي ثقة زائدة بنفسه في مواجهة الآخر ليدب الخوف أو الرعب فيه، مما قد ينتهي بكارثة.
    وعلامات الثقة الزائدة خمس:
    1- الاستحجام؛ أي محاولة الواثق الزائد بالنفس إظهار حجم جسمي أكبر، كالذي نعبر عنه بوصفه: أنه نافخ حاله أو نافش ريشه. 2- الاستخفاف بالآخر مما قد يؤدي إلى المهالك وسقوط الدول والممالك، بالشعور بالعداء الشديد والاستخفاف بالعدو. 3- الشعور الذاتي (وربما الكاذب) بالقوة الفائقة، ما يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة ومتسرعة بالمواجهة. 4- وهم السيطرة على الوضع وغياب اليقين. 5-الإيقاعات النفسية اللاشعورية التي تعزز خداع الذات وبالتالي الثقة الزائدة بها.
    لقد كان لتوافر هذه العلامات نتائج مدمرة عند أصحابها، ومن ذلك أن نابليون وقد خدعته نجاحاته الأولية في أوروبا فإنها ضخمت ثقته بنفسه، فاتخذ قراراً خاطئاً بغزو روسيا بأربعمائة وخمسين ألف رجل، فانتهى بهزيمة نكراء. فقد مات في الغزو ونتيجة ظروف الشتاء القاسية والمقاومة الروسية 175.000 حصان، ولم يعد معه إلى فرنسا سوى ستة آلاف رجل، لأنه لم يقدّر الموقف، ولم ينتبه إلى موضوع اللوجستيات أو الموارد (Logistic) اللازمة لهذه الحملة الضخمة.
    وبما أنه لا أحد ولا مجتمع يتعلم من تجارب غيره لاعتقاده بالاكتفاء الذاتي من الذكاء أو العبقرية، فقد كرر هتلر بالثقة الزائدة في قوته غلطة نابليون بعد نجاحاته الأولية في أوروبا فغزا روسيا، وكانت النتيجة هي الانتحار.
    إن للقرارات الخاطئة في الحرب أربعة أسباب وهي:

    الثقة الزائدة بالنفس 2. سوء فهم أو سوء تقدير الطرف الآخر 3. تجاهل التقارير الاستخبارية 4. إهدار (أهمية) القوى البشرية. وقد قيل: يتحدث الهواة عن الاستراتيجية بينما يتحدث المختصون (Professionals) عن اللوجستيات (Logistics). الثقة الزائدة متغير ذاتي رئيس يمكن أن يؤدي إلى مذابح كبرى كالتي حدثت في الحربين العالميتين، وفي كوريا، وفي فيتنام…
    هذا المقال زكاة قراءة أقدمه للاعتبار، ومن ذلك التفكير بسياسة عبد الناصر، أو صدام حسين، أو بشار الأسد، أو البشير، أو قاسم سليماني، وأخيراً أردوغان.





    [30-03-2020 08:59 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع