الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الحب في زمن كورونا

    بداية، كل الاعتذار للروائي العالمي الكولومبي المبدع جابرييل ماركيز صاحب رواية “الحب في زمن الكوليرا” التي تدور أحداثها حول قصة حب كبيرة نشأت منذ المراهقة حتى سن السبعين، كما تصف الرواية التغير الذي حصل وقتذاك من حروب أهلية في منطقة الكاريبي وتطورات التكنولوجيا، وتمزج بين لوعة العشق ولعنة الحرب.

    لهذا وجب الاعتذار لماركيز بسبب استعارة اسم روايته مع بعض التحريف؛ حيث قلبنا زمن الكوليرا الخاصة بروايته لزمن كورونا التي نعيشها اليوم، وفي كلتا الحالتين لا بأس من الحب، لا نريد حبا للمستوى العميق الذي تحدث عنه ماركيز في روايته، ورغم أننا بحاجة دوما للحب، فأزمة كورونا وما فرضته من حظر تجول يتوجب الالتزام به يدفعاننا للتصالح مع الذات، وأن نحب بعضنا بعضا، وننفض كل الغبار الذي سكننا طويلا وجعلنا ننقسم كثيرا ونبتعد عن بعضنا، ويتراجع تفكيرنا المدني فنصبح نميل أكثر للتفكير كقبائل وعشائر وشمالي وجنوبي وشرقي وغربي.

    إذا دعونا نستثمر كورونا ونستفيد منه وننهض من تحت أزمتنا الحالية والمتواصلة التي لا بد لها أن تنتهي يوما مهما طالت، دعونا ننهض ونحن أكثر قوة وتصميما لبناء الدولة الحديثة؛ دولة تتسع للجميع وتكون للجميع، فأزمتنا كشفت أننا جميعا تحت جناح الوطن وأن فيروس كورونا لم يفرق بين مسلم ومسيحي، وشمالي وجنوبي، وشرقي وغربي، ومعارض وموالٍ، ولهذا كله توحدنا لمواجهته ومقاومته حماية لأنفسنا ولكي يبقى الوطن، فرسمنا لوحات حب وتعاون.

    لهذا فإن حظر التجول يجب أن يشكل لنا فرصة للوقوف مع الذات، والمراجعة، وتأنيب النفس أحيانا، وأراني متيقنا أن كثيرا منا لو وقف بصدق مع نفسه وراجعها سيجد أن هناك الكثير الذي يتوجب تعويضه، وسيخرج من الأزمة برؤية مختلفة، وفكر منطلق، فهي أزمة تطلبت منا أن نكون صفا واحدا، ولكن علينا أن نكون كالدول والشعوب العظيمة ونستفيد من أزمتنا للنهوض بالوطن وتقدمه ورفع شأنه، وتطوير أدواتنا السياسية والفكرية والإنسانية، وأعتقد أنها بداية الطريق لكي نؤمن أننا بحاجة لدولة مدنية حديثة يسود فيها القانون وترتفع فيها قيم المواطنة والعدالة والمساواة وسيادة القانون على أي قيم أخرى.

    نعم نحن في أزمة، والأكيد أنها سوف تنتهي، ولهذا علينا أن لا نخرج من أزمتنا كما دخلناها والاستفادة منها وأخذ الدروس والعبر وتطوير أدواتنا التي أوجدناها خلال فترة الأزمة والبناء عليها، وقتها سنعرف أننا استفدنا من (زمن كورونا) وأننا لم نكن نضيع الوقت وإنما خرجنا أكثر حبا وإنسانية، وبرؤية منفتحة وفكر حضاري.

    فالحب ليس محصورا فقط بعلاقة بين ذكر وأنثى ودقات القلب بينهما، وإنما يتعدى ذلك ويتفوق عليه من ضحى بنفسه في معركة الكرامة التي نعيش ذكراها هذه الأيام، وسقط شهيدا لأنه كان يحب الوطن ويحمي ترابه، والفدائي الذي استشهد لأنه كان يؤمن أن الاحتلال زائل وإن طال الزمن أيضا، وكوادرنا الطبية التي سخرت نفسها للوطن.

    اذا لماذا لا نستثمر ما نعيشه اليوم ونخرج بالعبرة وننطلق للأمام، ونراجع الدروس التي يتوجب أن نخرج بها، ونتفق بيننا بأن يسود الحب بيننا، فالجميع في هذا الوطن عانوا أثناء فترة كورونا وما يزالون حتى الآن يعانون من المصير ذاته، ولهذا دعونا نعِش فترة مراجعة مع الذات.

    والأكيد أننا سننتصر على كورونا، والانتصار نصنعه جميعا اذا التزم المواطن بيته وترك الجهات المعنية وقواتنا المسلحة والحكومة تقوم بعملها من دون تعطيل أو إلهاء، وبعد ذلك دعونا نستثمر تلك الفترة في تعزيز علاقتنا بدولتنا وتطوير أدواتها وقوانينها بما يكفل توسيع قاعدة الحريات والعدالة والمساواة.





    [23-03-2020 08:56 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع