الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لبنان وطن النجوم والجراح - م. محمد مرشد حمّاد

    لبنان البلد الجميل الدائم الحيوية الذي تغنى به الشعراء ، بلد الشعر والثقافة والموسيقى ودور النشر والطباعة والترجمة , لبنان جبران خليل جبران وإيليا ابو ماضي وفيروز ، يعيش هذه الأيام لحظات مفصلية في تاريخه الحديث ، فمنذ عدة أيام نزل الشعب اللبناني الشقيق إلى الشارع رافضا ظروفه المعيشية الخانقة ، وحتى لحظة كتابة هذا المقال ما زال ساسته عاجزين عن إيجاد حل يقنع الغاضبين بِوقف الاحتجاجات في الساحات العامة .

    تفاقمت مشاكل لبنان الإقتصادية بعد إنتهاء الحرب الأهلية و إعادة تأهيل مؤسسات الدولة ، حيث تسَّلم السلطة مجموعة من زعماء الطوائف وأمراء الحرب الذين توافقوا في الطائف على شكل الحكم والصلاحيات وتوزيع المناصب ووظائف الدولة ؛ وفي ظل غياب سياسات إقتصادية حكيمة و إستمرار الإستدانة وفرض الضرائب على الطبقة الفقيرة ، تزامناً مع النفقات الضخمة لزعماء الطوائف وعائلاتهم وأزلامهم ، ارتفع الدين العام إلى ما يقارب مئة مليار دولار وهو رقم خيالي بالنسبة لدولة صغيرة كلبنان ، مما أدَّى الى رصد جزء كبير من ميزانية البلد لخدمة فوائد الدين العام ونتيجة لذلك ، تم إغفال الخدمات الاساسية التي تمسُّ حياة المواطن العادي البسيط .

    تعقدت مشاكل لبنان مع بدء الأزمة السورية ، حيث تعزز الإنقسام في الموقف السياسي بين زعماء الطوائف والتيارات السياسية بين مؤيدٍ للدولة السورية ومؤيدٍ للقوى المعارضة ، وتجاوز الأمر حدود الموقف السياسي إلى الإنخراط المباشر في العمليات العسكرية داخل سوريا سواء بالدعم المادي أو بالمشاركة الكاملة بكل مقدرات بعض الطوائف ورصيدها الشعبي الى جانب النظام السوري , إنشغل زعماء لبنان بالسياسة الخارجية ورَسْم التحالفات الإقليمية فانتقل القتال من سوريا إلى القتال على الشاشات و في الصالونات السياسية في لبنان وتفاقم هذا الانقسام السياسي الأيدولوجي مع اللجوء السوري ووصول أعداد كبيرة من النازحين إلى مختلف المناطق اللبنانية.

    و إقتصادياً , ساهم إنخفاض مساعدات دول الخليج مع تناقص تحويلات المغتربين العاملين هناك وتراجع عائدات السياحة لحدَّها الأدنى في تضييق الخناق على الشعب ، ومع إغلاق الحدود البرِيَّة تضاعفت تكاليف النقل فإنخفض الطلب على السِلَع اللبنانية في أسواقها التقليدية وزادت أسعار السلع المستوردة ، كل هذه المعطيات سارعت في إستنزاف موارد الدولة الاقتصادية و أدَّت الى إرتفاع التضخم والبطالة ، ناهيك عن تدني مستوى الخدمات ، فحتى الآن لبنان بجغرافيته المتواضعة لا يحصل غالبية شعبه على خدمة الطاقة الكهربائية طوال اليوم . أضف الى ذلك إرتفاع خدمات الإتصالات لتصبح من الأغلى في العالم وإتباع نهج الحماية للشركات الكبرى في بعض القطاعات الإنتاجية الاساسية لتصل الى حد الاحتكار فتدنت الإستثمارات و إرتفعت أسعار السلع والخدمات وإنخفضت جودتها .


    التركيبة الطائفية في لبنان أنتجت إنتخابات بلا خاسر بسبب تشريع قانون إنتخابي فُصِل أساساً ليتناسب مع قوى السلطة ، كما أن المناصب القيادية العليا موزعة بشكل طائفي، فَبِصرف النظر عن نتيجة الإنتخابات ، لا يمكن أن يفوز حزبٌ ما بتشكيل الحكومة إن لم يكن على رأسه مسلم سني او أن يفوز تكتل نيابي برئاسة مجلس النواب ان لم يكن زعيمه مسلماً شيعياً ، ورئيس الدولة يجب أن يكون مسيحياً مارونياً وكذلك قائد الجيش .ومن هنا بدأت مؤسسات الدولة تتوزع على تكتلات وولاءات شخصية ، فغابت الكفاءات عن الساحة ، وأصبح الولاء للزعيم أهم من الولاء للوطن ، فتعززت الإنقسامات بين أفراد المجتمع فكل طائفة تتخوف من تَغَول الأخرى إن هي عارضت قادتها التقليديين ، فتحولت المواطنة من الإنتماء للوطن الى الإنتماء الى الطائفة بل لزعيم الطائفة وحاشيته .


    ومن المؤكد أنَّ غياب هيبة الدولة والاستعانة بالخارج في كل كبيرة وصغيرة فاقم مشاكل البلد الى درجة أن الحكومة لا تتشكل إلا بتوافق دولي أو إقليمي ممَّا جعل من لبنان ساحة تنافس بين دول لها مشاريع إقليمية و ميداناً لصراعاتها دون الإكتراث لمصلحة اللبنانين الذين ساءت أحوالهم وتدنت مدخولاتهم ، ولقد بالغ الساسة اللبنانيون بالرهان على الحلفاء الخارجيين لحل مشاكلهم الاقتصادية وغاب عن حساباتهم أنَّ العالم قد تغير و أصبح يحكمه تاجرٌ يستثمر فقط بما يحقق له الربح ويتخلص من أي ملف يقلل من رفاهية شعبه ورصيده الجماهيري.

    أمَّا وجع مرضى لبنان الذين لا يملكون ثمن العلاج ، ودمعة الأم اللبنانية التي تُوَدِع إبنها وهو يهيم في أصقاع الارض بحثاً عن رغيف الخبز ، وغضب شباب لبنان الذين لا يجدون عملاً بعد أن أنفقت عائلاتهم كل ما تملك ليدرسوا في أرقى الجامعات ، وصرخة الزوجة التي فقدت زوجها في معارك عبثية ، و حق شهداء لبنان في قانا وكل شهيد مات من أجل لبنان لا ثمن له في حسابات السياسيين ولكنه يُدمي قلب كل لبناني وعربي شريف.

    على كل سياسيي لبنان أن يقتنعوا بأن حماية مشاريع إقليمة ليست أهم من الوطن والدولة ، وبأنَّ مخصصات النواب والوزراء ليست أهم من توفير الكهرباء، و بأنَّ إزالة القمامة من الشوارع وتوفير طائرات الاطفاء أكثر جدوى من شراء طائرات خاصة ؛ يجب على كل زعيم لبناني أن يعي بأنَّ لا أحد في لبنان يستطيع أن يقلب الطاولة على الآخر لأنَّهم جميعهم على طاولة واحدة في الحكومة ومن المستحيل ان يستأثر اياً من تياراته بالحكم وحده والتاريخ يتحدث عن نفسه.

    قلوبنا دائما مع لبنان ونخشى عليه من تدهور الأوضاع الأمنية والفوضى ، ونأمل من الشعب اللبناني أن يعي الأخطار التي تُحدق بوطنه ، فهناك عدة أطراف خارجية لا تريد الخير والاستقرار للبلد ، ونتمنى أن يعود لبنان كما عهدناه أخضراً جميلاً وواحة للحرية والديمقراطية وأن يبقي صوته عربياً. كما نتمنى أن لا ننتظر عشرين عاما أُخرى حتى تعترف السيدة ماجدة وحدها بما إقترفت أيادي بعض اللبنانيين تجاه وطنهم بل أعتقد جازماً أنَّ ساسة لبنان بلا إستثناء عليهم ان يقفوا فوق منصة في ساحة الشهداء ويعترفوا مخاطبين بيروت ولبنان قبل شعبهم :
    (نعترف الآن
    بأنّْا لم ننصفك ولم نرحمك
    بأنّْا لم نفهمك ولم نعذرك
    وأهديناك مكان الوردة سكيناً
    نعترف أمام الله العادل
    بأنّْا جرحناك وأتعبناك
    بأنّْا أحرقناك وأبكيناك
    وحملناك أيا بيروت معاصينا )





    [20-01-2020 11:16 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع