الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    قلق ومستقبل - د. صلاح داود

    ما أسهل أن يحول الإنسان تفكيره بالمستقبل إلى وسواس وريبة وقلق وانقباض وهواجس، وكل ذلك يحدث له بسبب أمسٍ الرديء الذي عاشه، فضاع اليوم وخاف الغد.

    الناجحون لم يتعلقوا بالغد بالرغم أنهم قد خططوا له، وأتساءل هنا عن الرجال البواكي الذين يجلسون مفكرين: كيف سأطعم عائلتي خبزا عندما أفقد وظيفتي.. كأنما حلت به مجاعة..!

    استعجال للكوارث قبل أن تقع.. استعجلها بفكره إلى أن أصبحت إيمانا وعقيدة لكل يوم فنسي أن اليوم جديد له حلة جديدة وفكر جديد ورزق جديد.. حتى أن أشعة الشمس التي نستقبلها والهواء الذي نتفسه قد تغيرا وتجددا.. فما بالنا لا نجدد إلا اللون الأسود في تفكيرنا.

    تدور في عقولنا تلك الأفكار القلقة الخائفة فنضخم العثرات ونجعلها عقبات ومعيقات، ونستهين بما نملك حتى نراه صفرا أو فراغا سرابا، فأتلفنا دنيانا وألحقناها ديننا بعدم الرضا عما جاء به القدر.

    أما الانتصار على تلك الآلام الكاذبة لا يكون إلا بأحسن استثمار لما نملك من إمكانات مهما كانت ضئيلة، والهرب من الاتكال والتمني وأحلام النوم واليقظة.. وهنا يكمن السر.

    الكِرام هم كرام النفس والروح قبل اليد والمادة، والعوض الحسن دائما لهم لا للبخلاء الأشحاء، والعطاء إنما هو سداد للدين.. فكما أخذت يجب أن تعطي وكما أعطيت ستأخذ الآن أو بعد حين وبأضعاف مضاعفة.. الشرط أن تعطي بكرم من الروح والنفس حتى وإن كان هنالك قصر بذات اليد.. اللهم اعط منفقا خلفا.. هي دعوة ووعد من الرسول الذي لا ينطق إلا بالحق. هذا سر آخر من أسرار النجاح والغنى والتفوق.. فالعطاء دائرة متكامل.. لكي تأخذ يجب أن تعطي مسبقا..

    والفوز كل الفوز أن تعيش يومك دون خوف من الغد وبتعقل ومُلك لفكرك وبصيرتك وأن تحمل لذة الأمس وسعادته معك إلى الغد، وأن تتيقن أن الغد في علم الغيب فلا تتساوى مع من هم دونك بالوجل منه.

    التعقل والفطنة يعني الاستعداد للغد، ولكن لا نضيع يومنا في رهبة غير موجودة وأزمات وكوارث ومعضلات لم تقع، نقص في المال والصحة والطعام والقوة والأبناء والوظائف والمنازل وكثرة في المرض والموت والتخريب والقتل.. (الشيطان يعدكم الفقر).. فقر في كل شيء.. حتى نصبح فقراء في التفاؤل واستشراق المستقبل.. فتموت قلوبنا وعقولنا وتتعفن بالتشاؤم والسوداوية.

    الاهتمام المتزايد بالمستقبل والاغتمام والقلق والتألم منه.. إنما هو تبذير وإسراف معا، فهو ذهول وسرقة للعمر والتهاء عن الإنجاز بما هو متوقع وغير موجود.. فضاع العمر سدى وانفلتت الأيام دون رجوع أو عودة..

    سهرت أعين ونامت عيون في شؤون تكون أو لا تكون
    إن ربا كفاك بالأمس ما كان سكفيك في غد ما يكون
    والنصيحة أن تسأل من هم أكبر منك بعقود عن أمنياته التي تحققت وما لم تتحقق وكيف كان العمر معهم سدى.. أم إنجازات وتحقيق للأحلام والأمنيات.. وتذكر أن الإنسان مخلوق مستهلك زمنيا فكل لحظة وثانية تمضي دون إنجاز إنما هي فوات للأوان وتقصير للعمر.





    [10-12-2019 10:23 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع