الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    “في كانون كن .. وعلى الفقير حن”

    أخذت كلمة كانون من اللغة الآرامية السريانية التي تحدث بها قديما اهل المشرق (بلاد الشام)، وهي كلمة تعني بتلك اللغة (موقد النار)، وهي كلمة قريبة في المعنى من الاسم العربي لشهر كانون والذي يعني موقد الحطب ايضا.
    ولأن كانون سواء كان الاول منه او الثاني يعتبران من أبرد اشهر الشتاء، فقد أخذ الشهران حيزا كبيرا في الثقافة الشعبية لأهل المشرق العربي على وجه الخصوص، وانتشرت الأمثال الشعبية التي تظهر حجم برودة الشهرين، فأهل المشرق ومنهم اهلنا عندما قالوا “في كانون كن (اي لا تتحرك كثيرا) وعلى الفقير حن” ، (اي اشعر بالفقير)، وذلك لشدة برودة الشهر وحجم الضنك الذي يعانيه الفقير والبرودة التي يشعر بها جراء قسوة الكانونين الاول والثاني، وفي المثل حث لكل مقتدر على تقديم مساعدة للفقير في فصل الشتاء، وخاصة في الكوانين.
    وساهم في رواج الأمثال الشعبية عن كانون وجود ما يسمى (المربعانية) فيما بين الشهرين وهي فترة تمتد من 20 كانون الأول حتى نهاية كانون الثاني، وتعتبر من اكثر وأصعب فترات فصل الشتاء واقساها برودة، حيث قال السلف (في كانون كن في بيتك على دبسك وزيتك) والدبس لمن لا يعرف مشهور بأنه مولد جيد للحرارة.
    ولطالما حرص أهالي منطقة المشرق العربي على تفقد احوال فقراء المناطق التي يعرفونها في فصل الشتاء وخاصة في شهري كانون الاول والثاني، وهذان الشهران بالفعل وبشكل علمي يعتبران الأبرد، وهو ما يتفق مع رواية اهلنا الذين سطروا ذاك في امثالهم الشعبية.
    ما سلف ليس بلا داعٍ، وليس استذكارا لأهلنا وعاداتهم الشعبية فقط، وإنما استحضار لحاضر مرئي يعاني فيه الفقير أشد المعاناة، وتتوسع فيه دائرة الناس المحتاجين للحنو عليهم والشعور بهم وبأوجاعهم.
    وما سبق استحضار نضعه بين يدي الحكومة التي قدمت لمجلس النواب موازنتها عن السنة المالية 2020، وبين يدي مجلس النواب ايضا الذي استمع لخطاب الموازنة امس وبات عليه مناقشتها وإقرارها، وهو الامر الذي يدفعنا لحث النواب على ملاحظة ما يعانيه الناس من تدني قوتهم الشرائية، وفروغ جيوبهم دون ان يكون بمقدورهم التحوط لفصل الشتاء وبرودة الكوانين، ودون ان يؤمنوا ما يكسب ابناءهم ويؤمن لهم التدفئة الملائمة جراء متوالية ارتفاع الأسعار والتي أدت لتوسع شريحة الفقراء والمحتاجين، فبات منظر من يفتش في حاويات القمامة عن خبز او اكل معتادا في بعض شوارع عمان وغيرها، كما اننا لم نعد نستغرب لو طرق بابنا بائس يريد لقمة خبز ويطلب ما تبقى من طعام لسد جوع فتيته الصغار الذين قرصهم الجوع.
    ما سبق تذكير ايضا بأن الأوان أزف لوضع الامور في نصابها الصحيح، ونقول للحكومة ان المواطن لم يعد لديه خصر يشد الحزام عليه، فالخصر ذوبه الجوع، وكل الخطط التي اعلنت سابقا لم تستطع نشل فقير من فقره او تأمين ما يسد به رمقه، ولنذكر الحكومة وحكومات سبقت ان مسؤولياتها الاساسية هي السهر على رعاية الناس وليس السهر لرفع حجم المديونية عليهم ورفع عجز الموازنة.
    الحكومة التي لم تجد حتى اليوم رؤية واضحة للتأمين الصحي والتعليم والنقل، والتي ارتضت ان تكون عمان العاصمة وكأنها ورشة اعادة إعمار، جراء ما يعرف بالباص السريع ، تلك الحكومة التي تغمض العين عن كل ذاك عليها التقاط فرصتها الاخيرة وإخراج البلاد والعباد من عباءة “النقد الدولي” الذي عاد علينا بويلات اقتصادية غير متناهية وأثر على نسيجنا الاجتماعي بشكل واضح، ولنأمل معاً ان تُشعرنا الحكومة انها قولا وفعلا ستحن على الفقير ليس في كانون فقط وإنما في كل أشهر السنة صيفها وشتاءها.





    [09-12-2019 08:45 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع