الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    “سيوف الكرامة”

    ربما لا يجمع الشعب الأردني على شيء كما يجمع على تصنيف إسرائيل بأنها عدو وبأنها المصدر الرئيسي للتهديد الاستراتيجي للأردن. ولم تنجح إسرائيل لغاية الآن في تسجيل أي اختراق حقيقي في المجتمع الأردني على الرغم من علاقاتها بعدد محدود من الأشخاص من عديمي التأثير الذين وقعوا في مصيدة الاشتباك مع الآخر بهدف تغييره.
    وفي السنوات الأخيرة، تبيّن أن موقف الأردنيين تجاه إسرائيل هو جذري مرتبط بتعنت إسرائيل وتنكرها للحقوق الفلسطينية وانبهار آخرين في الإقليم بها وما يمكن أن تقوم به. كما أن إسرائيل تستخف بالمصالح الأردنية ولا تحترم تعهداتها المنصوص عليها في معاهدة وادي عربة، وبلغت مراوغات صنّاع القرار في تل أبيب حد الكوميديا السوداء بعد أن سقطت ورقة التوت عما كان يسمى “معسكر السلام” وتسيد المتطرفين المشهد في تل أبيب.
    مشكلة إسرائيل أنها تنظر للأردنيين وكأنهم أقلية مثل الأقليات التي تعاونت معها في الإقليم، فهي لم تفهم بعد أن الشارع الأردني هو عروبي بامتياز ولا يمكن إلا أن يكون في صف القضايا العربية. كما أنها لم تستوعب بعد أن مصدر التهديد الرئيسي للأردن ينبع من طبيعة المشروع الصهيوني ذاته وليس من العدو الوهمي الذي حاولت إسرائيل إيهامنا بوجوده. وعليه لم تتمكن إسرائيل من استبطان أنه من الاستحالة بمكان فصل العلاقة الثنائية معها عما يدور على المسار الفلسطيني.
    وعلى نحو لافت، بدأ الأردن الرسمي بالتصعيد مع إسرائيل كما بدا لافتا في موضوع الغمر والباقورة وكذلك محاكمة الإسرائيلي المتسلل للأراضي الأردنية. وبالفعل أراد الأردن إرسال رسالة واضحة مفادها أنه لا حصانة لإسرائيلي في الأردن وأن الحكم في أي مخالفة يرتكبها أي إسرائيلي في الأراضي الأردنية هو القضاء وليس العلاقات السياسية. وما من شك سيكون لتغيير الأردن من مقاربته مع إسرائيل أثر في النقاش العام في تل أبيب لا نعرف أي اتجاه سيأخذ. فالكثير من الساسة في إسرائيل يقدمون العلاقة مع الأردن كنموذج، ويبدو أن اعتراف نتنياهو بأن السلام مع الأردن بقي بين حكومتين سيكون مقدمة لنقاش أوسع في قادم الأيام.
    وتوّج الأردن رسائل التصعيد مع إسرائيل بمناورات حملت اسم سيوف الكرامة، وطبعا لم يأت هذا الاسم مصادفة بل لتذكير الجانب الإسرائيلي بمعركة الكرامة التي دافع بها الأردن عن سيادته وألحق هزيمة عسكرية وأخلاقية بالجانب الإسرائيلي. وفي هذا السياق، سبق للملك عبدالله أن قال إن الجيش الأردني سيدافع عن الأردن إزاء أي تهديد من قبل إسرائيل، وكان الحديث عندئذ يدور حول الترانفسير. لم يخف الملك عبدالله استياءه مما تقوم به إسرائيل، واختار معهد واشنطن لينقل رسالة واضحة إلى مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة بأن العلاقة مع تل أبيب لم تكن أسوأ منذ توقيع معاهدة السلام. والأهم في كلام الملك الكشف عن موطن الخلل في العلاقات الثنائية، وهو السياسة الداخلية الإسرائيلية. بمعنى أن كل ما يجري من تسويف وتأخير ومماطلة وخداع إسرائيلي مرده ليس الإقليم وإنما متطلبات السياسة الداخلية الإسرائيلية.
    سيوف الكرامة ليست إعلان حرب على إسرائيل وإنما رسالة واضحة بأن الأردن بدأ يتوجس من السياسة الإسرائيلية وأن أي مغامرة إسرائيلية في غور الأردن من شأنها أن تؤثر على الأمن الوطني الأردني سيكون الرد عليها عسكريا. فعلى الرغم من الانكشاف الاستراتيجي وتمزق النظام العربي الذي بات هشا وتنافسيا ومخترقا، إلا أن بوصلة الأردن هذه الأيام واضحة وصحيحة، فمصدر التهديد الرئيسي يأتي من غرب النهر ولا بد من التأكد من الجاهزية الوطنية للتصدي لمثل هذا الخطر.





    [07-12-2019 09:03 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع