الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الخيار - د. صلاح داود

    وأعود مرة أخرى لأتفكر بالخيار والمسار.. وأعود لأتساءل عن ذلك التكليف الإلهي وحمل الأمانة، هل مُنحنا الحرية كاملة للتصرُف، أم هل سُلِبناها وأسأنا التصرف؟ هل نحن أحرار ومسؤولون؟ ماذا عن حرية النية وحرية الحب والكراهية؟ ماذا عن الضمير والقلب وتخيّر الأفكار فيهما؟ ومن الذي سمح بدخول الشيطان في دمائنا فاختلط بالعقل والروح فأصبحنا مأمورين بأمره؟ وكيف استطاع الغير إخراجه فلا سلطان له عليهم؟

    وعندما أقرأ قول الإمام الغزالي " أن الإنسان مخير فيما يعلم ومسير فيما لا يعلم" أتساءل ما تلك النسبة الضئيلة لما نعلم مقابل ما لا نعلم؟ هي مساحة ضيقة للحركة لأن علمنا قطرة في بحر وستتسع تلك القطرة الضيقة باتساع علمنا.. ولكن أعود وأتساءل كم ستتسع تلك الدائرة في عقلنا وهو محدود القدرة والقوة؟

    الفطرة الإنسانية والرغبة تقول أنك حر فانطلق إلى عالي سماء ولا تنظر دونا، والخيار بين يديك لا شريك لك في اختيارك.. فاختر الأفضل ولا ترضَ له بدلا، لا تختر نفسك وشهوتك وهوى القلب بل اختر عقلك فهو الأصلح والأنجى والأعلم. وانظر ببصيرته بعيدا لا ببصرك فلا تكاد ترى موطأ قدمك فتتعثر وتقع.. وإن آليت استخدام قلبك للاختيار فلا تختر إلا الله فهو من نفخ فيك وحولك من تراب يُداس عليه وتعيش فيه هوام الأرض وديدانها وتدفن فيه قاذوراتها ونتنها إلى إنسان بشري كرمك الله على كل خلقه وأسجد لأبيك الملائكة.

    نعم إنه خيار العبودية للإلوهية المُستحقة، فالأفضل والأحسن هو الله لا خلقه، فهو من اختار لنا أفضل الشرائع وأحب لنا طاعته.. ولا تكليف عليك بعد اليوم إلا بما تستطيع وتعلم، فالله لن يختبرك إلا بقدراتك..

    وأتعجب ممن يكذب على الله فيختار المعصية، ثم يصر عليها ويتألى على الله ويقول أن المعصية من خلق الله وقد كُتبت علي فلماذا العتب واللوم؟ وقد اختار المعصية بعد أن تبين له الصحيح من الباطل والمفيد من الضار ومحصها بعقله وقلبها في قلبه وذاق لذتها بشهوته وعرف أنها غير دائمة ولن تورثه إلا الهم والكدر... اختار النفس والهوى وتبرأ من الفطرةواختيار الرب.

    يدعي أنه مع الله وقدره، وأعماله وأهواءه وشهواته عكس ذلك، فاختياره حجة عليه لا له، فهو لم يهتم لا بدين ولا أخلاق أو أعراف، أطاع غريزته ونزوته ولم يستلهم إلا فكره، فهو عبد للعبيد وإن ظن في لحظة ما أنه يبحث عن التحرر من عبودية الإله المُستحق.، ولا حرية إلا بالله.

    الخيار كان له التحرر.. والتحرر بالنسبة له هو خلع الرضا عن الله والهروب منه لا إليه، والتمرد والعصيان والسباحة ضد التيار وعكسه.ولم يعلم أن الحقيقة بل كل الحقيقة أن بخروجه أصبح دونا وروحه حيوانية نزوية.

    هي خياراتنا واختياراتنا من خلال علمنا المتواضع الممتد من علم الله، فالله هو صاحب العلم ولا تضارب بين اختيارنا ومشيئة الله فلا ضد ولا ند، فهو يرى نوايانا ويسخر لنا بناء عليها فتلتقي مشيئته مع نياتنا بنفس الخط ونقول أنها كانت مشيئته ونبرأ أنفسنا المذنبة ونتهم ربنا.

    فسبحان من خلق لنا العقول والقلوب والبصر والبصيرة وكلفنا بما نستطيع ورفع عن القلم بما لا نستطيع.. لا علم ولا حرية ولا خيار ولا مسار ولا نور إلا منه وبه .





    [22-11-2019 09:55 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع