الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    تحفيز لصالح البنوك واستيراد السيارات

    أحداث اليوم - إبراهيم غرايبة - يقاس التحفيز الحكومي بمدى تأثيره على الاحتياجات والأولويات الأساسية للمواطن ومدى صلته بالواجبات الأساسية للحكومة وملاحظة أثره على تحسين الحياة بشكل عام، وما قدمته الحكومة في مهرجان إعلامي ليس له علاقة بتحسين حياة المواطنين ولا الخدمات الأساسية المفترض أنها الواجبات الأساسية التي أقسم الرئيس والوزراء على أدائها؛ التعليم والصحة والتكامل الاجتماعي. فلا علاقة بين تحسين الخدمات الأساسية وبين دمج دائرة الأرصاد بوزارة النقل أو إلحاق دوائر وهيئات بوزارات، والأكثر غرابة تسويق توجيه مائة مليون إلى البنوك للمشاريع الإسكانية على أنها تحفيز اقتصادي، نعم تحفيز للبنوك وشركات المقاولات! لكن الفئة الفقيرة ومتوسطة الحال لا تستفيد شيئا من أنظمة ومشروعات سكنية تعود بأرباح مضاعفة على البنوك والمقاولين، ما من بيت يشترى إلا ويدفع المواطن ثلاثة أضعاف قيمته الأصلية للبنوك والمقاولين وتجار العقارات، وإذا كانت الحكومة تريد فعلا مساعدة المواطنين في الإسكان فيمكنها أن تدير عمليات تمويل وقروض موجهة إلى المواطنين ولا يذهب منها شيء إلى فئات وشركات وسيطة لا تحتاج مساعدة الحكومة.
    وبما أن الحكومة مؤمنة بحرية السوق (هل تؤمن الحكومة بالفعل بحرية السوق) فيجب ألا تكون معنية أو قلقة بشأن البنوك وشركات الاتصالات والفنادق والمقاولين وغيرها من الفئات الاقتصادية إلا بالبيئة التشريعية والتنظيمية التي تضمن العدالة والتنافس، ما تفعله الحكومة ليس سوى انحياز على حساب اغلبية المواطنين لصالح قلة لا تحتاج بل تستأثر بالموارد والفرص، وإعادة توجيه للإنفاق العام والموارد العامة لصالح قلة متنفذة واحتكارية، وضدّ احتياجات ومصالح الأغلبية.
    التحفيز ليس مسألة معقدة، ولا يحتاج أن نحتكم إلى القاضي! هو ببساطة إعادة الحكومة الإنفاق العام باتجاه التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وأن تكون المدارس الحكومية قادرة فيزيائيا (على الأقل) على استيعاب جميع التلاميذ، وأن تكون المراكز الصحية والمستشفيات ومنظومة الرعاية الصحية والاجتماعية تصل إلى جميع المحتاجين إليها، الفقراء والمرضى وكبار السن والمعوقين.
    الحكومة تعرض عن واجباتها الأساسية وعن المحفزات الأساسية، وتشغل نفسها فيما ليس ضروريا، أو لا يعود بالفائدة على جميع المواطنين، الجميع هي كلمة السر التي تؤشر إلى الصواب والخطأ، فالتنظيمات والعمليات والموازنات التي لا تعود بالفائدة على جميع (نعم جميع) المواطنين هي إنتاج للفشل وإنفاق للفشل، .. وتحفيز الفشل.
    سأحاول أن أستحضر كل ما يمكنني من سذاجة وحسن نية؛ وأوافق الحكومة على أنها تريد التحفيز وأن ما قدمته من محفزات سوف يعود على المواطنين جميعهم بالخير والفائدة، لكنني بالسذاجة نفسها أجد أنني محتاج أن يذهب أبنائي (وأحفادي) إلى مدرسة حكومية قريبة من بيتي (أسكن بالإيجار ولست قلقا حول امتلاك بيت أو هو قلق يأتي بالدرجة الثالثة) مشيا على الأقدام، وأن أجد الغذاء الكافي والصحي لي وأسرتي، وأن أذهب إلى مركز صحي قريب في منطقتي يقدم لي الرعاية والخدمات الصحية، ويحولني عند الحاجة إلى مستشفى ملائم يمكن أن أجد فيه طبيبا مختصا أو خدمات طبية تقنية في موعد مناسب، ليس مثلا سنة لأجل صورة الرنين المغناطيسي وثلاثة أشهر لمقابلة الطبيب وعندما أذهب لا أجده وأقابل بدلا منه طالبا في كلية الطب لديه استمارة غبية مشغول بتعبئتها! وأن يجد كبار السن والمعوقون والمرضى مرضا مزمنا (مثل السكري والقلب وقصور الكلى والتوحد،..) رعاية اجتماعية وصحية منتظمة ولائقة، فالأسر التي يكون أحد أفرادها كبيرا في السن أو مريضا مرضا مزمنا ويحتاج إلى علاج ورعاية مدى الحياة تنزلق إلى الفقر، وأقدر أن مئات آلاف الأردنيين يتحولون إلى فقراء كل عام بسبب الأقساط الخيالية للمدارس الخاصة والإنفاق على الرعاية طويلة الأمد لأحد أفراد العائلة.





    [21-11-2019 10:25 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع