الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    وطن منهوب .. وشعب مغيب وسياقات بلا حل ..

    مازلت أؤكد أن العمل الصعب هو تغيير الشعوب, أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائيا عندما تريد الشعوب ذلك , ومن هنا أنطلق بمقالتي بعيدا عن أي عاطفة لنضع أصبعنا على الجرح لعلنا نجد العلاج . سأتحدث عن سياقات تحيط بالأردن وتضعه في زاوية حادة لا يبارحها لدرجة فقدان المعادلة لتفاعلها الواقعي بصورة وصلت للخمول بكل أشكاله .
    أولى السياقات هي السياق الجيوسياسي، الذي يتجاوز بكثير حدود الأردن , إن العالم منقسم اليوم إلى كتلتين متصارعتين, من جهة الكتلة المتوافقة مع نظام المجتمع الدولي، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية , كصندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الدولار، وهيمنة الولايات المتحدة المطلقة منذ 1990.
    إيديولوجيي هذا التكتل، يزحفون تحت أحادية القطبية، تحت الهيمنة الغربية , تحت هيمنة أمريكة- صهيونية عملا بمقولة: "قبل اليد التي لا تستطيع قطعها".. وهو تكتل يشكل 50 دولة ، بمليار من السكان، وبقوة إقتصادية لا تزال الأولى، ولو لبعض سنوات فقط.وهو غالبا تكتل مشروط و يتم هدم الدول الرافضة.
    أما التكتل الثاني فتشكل حول محور روسيا والصين وتركيا؛ مدعوما من المنظمات الدولية التي ظهرت مع مطلع القرن 21 وإرساء قطبية متعددة، من خلال إعادة النظر في النظام العالمي، وقواعد الحكامة الدولية، يتفوق هذا التكتل من حيث عدد الدول والكثافة السكانية حوالي 100دولة و4 مليار نسمة. و قوته الإقتصادية لا تزال متعثرة. ومصالحها هي قوة الارتكاز .
    وأمام هذه التكتلات يقف الأردن مواقف متناقضة متعاكسة سياسيا بل اشبه بالعزلة السياسية و بما لا يخدم مصالحه و بعيدا عن اي حنكة ديبلوماسية . ليشكل هذا السياق فجوة سياسية لنظامه وتتراجع القوة التأثيرية داخليا وتكاد تكون فقدت أوراقها خارجيا.
    بل لا تعوزنا المؤشرات لنرى ان الأزمة السياسية الأردنية الحالية والحكومة الهشة وهذه الفجوة بين الشعب والسلطة والانقسام الشعبي ما هي الا عملية لتغيير سياسي مصحوب بضغوطات جمة , من تلك العمليات التي يولع بها الغربيون , لكن أسرار صناعة هذه العمليات مصونة بحرص كبير, لكنها ذات طابع مسرحي دائما. وحال الدول العربية أصدق الأمثلة .وإنعدام الاتجاهات وغياب التواصل بين الحكومة والشعب اقرب الطرق لذلك ونحن سائرون في هذا الطريق بكل نجاح..
    كما إن تفكيك شفرة ما يرد في الإعلام الغربي من نيويورك تايمز، الواشنطن بوست، لوموند، ، إضافة إلى الصحف الإسرائيلية ,هآريتس وجيريزاليم بوست، ليس صعبا علىينا متابعته لكن إعلامهم على عكس إعلامنا المتغاضي . فهو يرسل مؤشرات مهمة، متمثلة في المنهجية والتقنيات والوسائل المعتمدة لتوضيح أكبر قدر من الاملاءات والرضوخ والقبول بسياساتهم المرسومة لدولنا وشعوبنا. فلا نتحدث هنا فقط عن تطبيع العلاقات والمشاريع الصهيونية أوعن التقارب مع بعض دول الخليج ودورها في الإقليم ، فأنا لا أميل إلى القول بالتلقائية، بالنسبة للأحداث التي تتلاحق اليوم بالأردن. ولا أحد من التكتلين الكبيرين، اللذين يتواجهان اليوم في العالم، يمكن أن يكون لا مباليا بما يجري في الساحة الداخلية الأردنية . التدخل الصهيوأمريكي يزداد قوة، وسيكون القول بالعكس غريبا. لكن النتائج هي الأغرب .
    والأكيد ان غالبية الشارع الأردني لديه فكرة عن التلاعب الذي يخضع له . لكنه يمشي مع تياره . والمؤكد إن الحكومة والمخابرات والمستشارين يتوفر لهم معلومات دقيقة، يمكن أن تشكل عامل قوة . لكن للأسف إن التنبؤ بالفائز غير ممكن الآن. رغم الرضوخ لهجمة الإستهداف النوعية التي تعيشها الدولة لهدم مكوناتها من قانون وسلطة وأرض وسكان ومقدرات .
    ثم أنتقل الى سياق إقتصادي مبهم ومعقد ومتخم بالبطالة ، اللامساواة، النتائج الإقتصادية الفاشلة, وذلك بسبب السياسات النيوليبرالية والخضوع لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، بزيادة الضرائب غير المباشرة ، وتداعياتها على الفقراء من العمال والموظفين ,وما سمي بالشرائح الوسطى في المجتمع التي قلبت أوضاعهم المعيشية رأسا على عقب ، بإرتفاع أسعار الغذاء والدواء والتعليم، وتراجع الخدمات العامة، حتى تآكلت الطبقة الوسطى وإنتقل قسما هاما منها الى عداد الفقراء.
    حين تشير دائرة الاحصاءات العامة ان 37.6% من الأسر الأردنية دخلها بين 208 و 625 دينار شهريا , وهي تعتبر تحت خط الفقر للفرد الذي وصل الى 814 دينار , إضافة الى ان 16.8% فئة من الأسر الأردنية دخلها بين 625 - 833 دينار، وبذلك نستطيع القول ان 54.4 % من الأسر الأردنية تعيش تحت خط الفقر او على حد الفقر وفقا للمعلومات الرسمية، اي نحو أكثر من نصف الأردنيين فقراء. وهي نتيجة ممنهجة بقوة ورضخنا لها ولمسبباتها .
    ثم نشهد الإعلان رسميا عن إخفاق خطة التصعيد الضريبي في الأردن وبأن أرقام الميزانية غير دقيقة وتراجع معدل الإستهلاك. مما سينهي دور الطاقم الاقتصادي في بداية شهرأيلول وأولهم وزير المالية عز الدين كناكريه.و محطة تعديل وزاري لا يفيد. والنتيجة إفلاس اقتصادي ودينار وهمي وخلل واضح يزداد يوما بعد أخر وهجرة شعب بلا عودة .
    و سياق إجتماعي تم فيه مع السياقين السابقين تحييد ذوو الخبرة المجتمعية من الشعب وإظهار زعامات لا وزن لها ففقدت العائلة والعشيرة والمنطقة مفهوم القيادة فكان التمرد من الصغيرعلى الكبير … ووجد المجتمع أن القانون فقط على الضعيف دون القوي . وعمت إستراتيجية تتفيه الخصوم .مع إستحواذ فئة معينة إعتبرت نفسها الجهة الوحيدة المتحضرة بنطقها الممتاز للغة شكسبير من أجل الإنتصار لحقيقة أن الأرض لهم و لم تكن يوما لغيرهم.
    و يزداد الإحتقان الشعبي في الطرف الآخر الذي يسكت طوعا او كرها، و عليه ان يتقبل الوضع ، و عليه أن يصمت، لا رأي له ، لأنه همجي جاهل يستحق الجهل و الفقر و الموت . والبعض الآخر مجرد ظاهرة صوتية ، والأكثر مرارة ان الأصوات تعلو ان الاردن بخير, ويتناسى الصارخين أن هذه الدولة على فوهة بركان مشتعل وشعبها جائع ومهمش اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ، مطحون بالنهب والتغييب والفساد، حتى تطورت أزمته الى أزمة حكومة وأزمة شعب ووطن عنوانها الحقيقي نكون او لا نكون ..
    الفجوة تزداد عمقا واتساعا ومخاوف الشعب تكبر , وأصبح الصمت سلاح ذو حد واحد والوعود فارغة والعزلة حال معاش والوضع زائف المضمون .فهل سيتغير مساق مصيرنا ومصير وطننا ام نبقى تحت سياسة حل اللاحل ؟؟؟؟





    [22-08-2019 08:03 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع