الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لا ینتقدون الرئیس ولا یمدحونه

    تستحق حالة الدكتور عمر الرزاز، رئیس الوزراء، تحلیلا عمیقا، فھو اول رئیس وزراء في عھد المملكة الرابعة، یصل خلال موقعھ، إلى وضع لم یصل الیه سابقوه.

    علینا ان نلاحظ ھذه الأیام، ومنذ شھور قلیلة تقریبا، ان الرئیس لم یعد یتعرض إلى ھجمات مغرضة، او حتى موجات نقد موضوعیة، برغم الأخطاء الحكومیة، مثلما لم یعد یحظى بمدیح، او اشادة، برغم بعض القرارات الحكومیة الجیدة، وھذه حالة جدیدة، تجعل الرئیس بمنأى عن الذم او المدیح، وتكاد تقول ان الرئیس غیر موجود، وعلى الرغم من ان ھذا التوصیف جارح وغیر أخلاقي.

    حقیقة الحال، ان ھذا المشھد یعبر عن تحول جدید في المزاج الأردني، الذي بات ینزع إلى تفكیر من نوع مختلف، یقوم على أساس الیأس من أداء الحكومات، واعتبار ان النقد مجرد جدل لا یغیر شیئا، وان لا احد یستمع إلى النقد، وان كثرة الضجیج خلال السنین الفائتة لم تؤد إلى اي تغییرات، ونحن امام حالة استسلام ضمنیة، یستفید منھا الرئیس الرزاز، بحیث بات الجمیع یتجنب نقده، وسط قناعة تقول ان لا شيء سوف یتغیر، وان المشاكل اكبر من الرئیس، وان الازمة اعمق من تحمیلھا على كاھل شخص مثل الرزاز، فلماذا ننتقده؟

    في جانب المدیح والاشادة، لم یعد الأردنیون یمدحونه، او یشیدون بحكومته، والسبب أیضا، ان الناس باتوا لا یتأثرون بأي خطوة إیجابیة للحكومة او الرئیس، فإذا ذھب الرئیس وزار مستشفى، او تفقد دائرة حكومیة، او حارب فسادا، او غیر ذلك، كانت ردود الفعل الإیجابیة منخفضة جدا، والسبب ان الناس على قناعة ان كل ھذا لن یغیر من المصاعب الأكبر، ولن یغطي على المشاكل الأساسیة، وان أي تصرف إیجابي، أیضا، ھو في الأساس من واجبات الرئیس وحكومته، ولیس منة او كرما، یستحقان الإشادة والتصفیق.

    ھكذا اذاً ھي الصورة، ھناك حالة تعلیق في النقد او الإشادة، وقد یبدو الرئیس وكأنه غیر موجود، او غیر مؤثر، فلا یھجم علیه احد، ولا یشید بھ احد، لكن ھذا الاستخلاص یرید خصومه تكریسه للقول اننا امام رئیس باھت الأداء، وان الناس لا یرونه، وھذا الاستخلاص كما اشرت سابقا یفتقد إلى الاخلاقیات، ویتسم بالثأریة والشخصنة، لكن من جھة أخرى، ھذا المشھد قائم، لاعتبارات مختلفة، تقوم كما اشرت إلى یأس الناس من النقد واعتبارھم ان التطاول على
    الرئیس لیس ھو الحل، فیما مدیحھم للرئیس، غیر قائم أیضا، باعتبار أن ذلك مجرد نفاق، وان الرئیس لا یتوجب شكره أساسا على واجباتھ المطلوبة منھ في الأساس.

    یستفید الرئیس كثیرا من ھذه الحالة التي وصلنا الیھا بعد أربعین عاما من نقد الحكومات، منذ العام 1989 ،وبحیث أصیب العصب العام بالإرھاق، ھذا فوق استبصار الكل للحقیقة التي تقول ان المشاكل تراكمت، ویعجز عنھا الرزاز، وسیعجز عنھا ابو زید الھلالي لو تم تكلیفه بالحكومة أیضا، وھذا یعني ان الرئیس ینجو الیوم من مطارق الرأي العام لسبب جوھري یتعلق بكل الموقف من الحكومات، مثلما لا یشید بھ احد، لمجرد انھ أدى وظیفتھ وعقد اجتماعا ھنا او
    ھناك، او اتخذ قرارا حسنا.

    ھذا یعني في المحصلة، شیئا یتجاوز استفادة الرئیس من ھذا الھدوء، أي الانفصال الكامل بین الحكومات والمواطنین، وتحول غیاب الثقة من حالة مؤقتة، إلى استعصاء دائم، وشعور الأغلبیة بالتعب الشدید، والاستسلام للواقع الذي یرونه الیوم اكبر منھم، ومن الرزاز ذاته، فوق الایمان المبطن ان شخصیة الرئیس جیدة، وان استھدافھا لن یغیر شیئا، وان المشاكل اكبر منھ، فلماذا ننتقده، ولماذا نمدحھ، ولربما الأفضل ان ننساه، ونعیش دون ان نضعه في حسابات النقد او
    المدیح التي تخضع كثیرا لحسابات غیر دقیقة أیضا؟.

    لكن ذكاء الرئیس قد یتبدى بالاستفادة من ھذا المناخ، الذي لا یضغط علیھ بالنقد، من جھة، ولا یمدحه من جھة ثانیة، عبر عدم الاسترخاء، والشعور بالراحة، والبحث عن مبادرات جدیدة، من اجل الناس، ما دمنا وسط استراحة، قد تكون طویلة، او قد ینكشف لاحقا، انھا مجرد استراحة بین شوطین.





    [19-07-2019 10:15 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع