الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل نصلي لله؟

    ذات مرة رافقت اكادیمیا بریطانیا، اعلن اسلامھ منذ سنوات طویلة، وكان یعمل في مجال الترجمة والاستشراق، ویترجم الكتب العربیة إلى الإنجلیزیة، وقد دعوتھ على الغداء، یوم جمعة، تكریما لھ، واحتراما لما یفعلھ، وبسبب علاقتي الشخصیة والمھنیة به، التي كانت عمیقة جدا، لاعتبارات مختلفة.

    ذھبنا أولا إلى صلاة الجمعة معاً، في عاصمة عربیة، ومن ھناك غادرنا، إلى حیث دعوتھ، وخلال الغداء، وجھت لھ سؤالا كبیراً عن حال العرب والمسلمین، وھو یقترب في عمره من التسعین، واذا ما كانت ھناك مؤشرات، حول أن ھذه الامة سوف تنھض وتستعید حیاتھا الطبیعیة بین الأمم، بما تستحقھ، بدلا من ھذا الیأس الذي یخنقنا على كل المستویات، ولا یستثني أحدا في ھذا العالم المبتلى؟.

    انتظرت منھ جوابا فلسفیا معقدا، لكنھ رد علي بشكل مباغت وبسیط جدا، وقال لي انھ لا یعرف الجواب، لكنھ قد یعرف میقات التغییر، عبر اشارتین غریبتین، فسألتھ عنھما، فقال، حین تعود إلى صلاة الجمعة، وتجد آلاف الأحذیة التي رماھا المصلون فوق بعضھا البعض، لم تعد بھذه الصورة، وتم خلعھا ووضعھا بطریقة لائقة، ومحترمة، ولا یدوس مصل على حذاء آخر عند الخروج، وحین ترى آلاف السیارات وقفت أمام المسجد بطریقة لائقة، لا تغلق الطرقات، ولا تعتدي على مرور سیارة الاسعاف، او سیارة مسافر، فعلیك لحظتھا ان تعرف ان الاضطراب والضیاع قد زالا، وان ”كبرى البشارات، تبدأ بصغرى الإشارات“.

    بقیت إجابته في صدري، حتى یومي ھذا، وكلما رأیت الأعداد الكبیرة للمصلین كل جمعة، تذكرت كلامھ، ویذكرني أن التدین ما یزال قائما، لكن الازمات طاغیة، وابرزھا الأزمة الأخلاقیة التي تقول لك العكس، إذ حین ترى الآلاف في كل مسجد، تسأل نفسك إذا كان كل ھؤلاء یؤمنون بالدین، وبقیمھ الأخلاقیة، فمن این جاءت كل ھذه المشاھد في حیاتنا، التي تقول إننا نعاني من أزمة أخلاقیة كبیرة. واذا كانت كل ھذه الاعداد مؤمنة وملتزمة بقیم الدین، فمن ھم الذین یفعلون كل الأشیاء السیئة في حیاتنا؟

    لیس أدل على ذلك، من كل ما نراه یومیا، من غضب اجتماعي، واعتداء الناس على بعضھا البعض في الشوارع، والطرقات، واطلاق النار على أتفھ الأسباب، وھو ذات المجتمع الذي نرى فیھ ان قیمة المال فوق كل شيء، حتى فوق قیمة الانسان، فالرشوة منتشرة، والذي یواجھ مشكلة بسیطة في سیارتھ، تتم سرقتھ وعدم رحمتھ بأجرة التصلیح، والأخ یسرق إرث اختھ، والبائع یرفع الأسعار، والعامل لا یأخذ حقھ، وبیع الغذاء الفاسد یتورط بھ الآلاف، والنصب والاحتیال باتا في كل مكان، والابن یعق أمھ، والجار یقتل جاره، وقطع الطرقات، والتزویر والعبث والكذب، والابن یقتل والده، وشیوع ثقافة الشطارة، والمؤجر الذي لا یرحم المستأجر، والمستأجر الذي یماطل في دفع حقوق المؤجر، ورب العمل الذي یستعبد الناس، والآلاف یبیعون المخدرات، والزوج یضرب زوجتھ، ولدیكم القدرة على تعداد مئات الظواھر السلبیة، التي نتورط فیھا كلنا، بمن فیھم كاتب ھذه السطور، والتي تؤكد وجود أزمة أخلاقیة، أساسھا عبادة المال.

    ھذا یعني أن أغلبنا یمارس الدین، بشكل شكلي، مجرد طقوس، لا تترك أثرا روحیا على الناس، وإلا كیف یمكن ان نفھم ھذا الایمان، وھذه العبادات التي نؤدیھا كلنا كل یوم، او عبر صلاة الجمعة، او في رمضان، وغیر ذلك من تواقیت، لكننا في المعاملات، نتصرف بطریقة في غایة السوء والسلبیة؟.

    في كل الحالات، ھذا الكلام لیس انتقاصا ممن یذھبون إلى صلاة الجمعة، لان القصد لیس تصید كل من یحاول إرضاء الله عز وجل، لكنني أتحدث عن عالمین، عالم ظاھر نراه في مظاھر التدین والتقوى الشكلیة، وعالم سري، نبدع فیھ كلنا، بتصرفات لالاعلاقة لھا بالدین، ولا بالمسجد، فلا یلیق بنا ھذا أمام الإسلام الذي یعد دینا عظیما، تتجلى عظمتھ بقواعده الأخلاقیة أولا.

    وكأنك تتعامل مع مجتمع غیر مجتمع الجمعة في المساجد، ھذا على الرغم من انھ ذات المجتمع، الذي یھرع كل جمعة للمسجد، لكنھ بقیة الأسبوع یعود كما كان، فلا نھتھ صلاتھ عن إثم ولا سوء، ولا خرج منھا إلا كما دخلھا .





    [05-07-2019 09:32 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع