الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حکومات الأردن والقرار

    لماذا لا یمتلك الوزراء لدینا الجرأة، لیخرجوا ویتحدثوا حول ما یجري في جلسات مجلس الوزراء، خلال الحكومات المتتالیة، وكیفیة اتخاذ القرار، خلال ھذه الجلسات، والطریقة التي یدار فیھا النقاش، بین الرئیس والوزراء؟

    ھناك ظاھرة لافتة في الأردن، إذ إن أغلب الوزراء الذین یخرجون من أي حكومة یصرحون لاحقا، أن الأردن امام مراحل لیست سھلة، ویقدمون وصفات للحلول، وھذا حقھم نھایة المطاف، لكن اغلب التعلیقات تكون ضدھم، فیسألھم الناس أین كنتم طوال ھذه السنین، ولماذا لم تغیروا من الوضع وأنتم في موقع المسؤولیة، وماذا فعلتم طوال سنین، أو طوال عقود؟!

    النقد الشعبي لا یرد علیه الوزراء السابقون، ولا یریدون الدخول في تفاصیل كثیرة تبقى سرا، أبرزھا أن آلیات اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بائسة، وقد حضرت جلسات كثیرة في ظروف مختلفة، وكان مثیرا أن مجلس الوزراء من داخله، غیر الذي كنا نظنه ونحن خارجه، وبمعنى أدق، قد یبدو مجلس الوزراء مركزا للقرار والتخطیط، لكنه في كل الأحوال لیس كذلك بالمعنى الحرفي.

    الكلام الأكثر حساسیة ھنا، یرتبط أولا، بوجود جزر معزولة في كل حكومة، فالحكومات في الأردن، فیھا طبقیة سیاسیة، فھذا وزیر من الطبقة الأولى، یأتي قلیلا إلى مجلس الوزراء، بسبب انشغالاته، أو یأتي ویبقى صامتا، ولا یعلق، أو یتحدث بالحد الأدنى، ویوقع على قرارات مجلس الوزراء فقط، ویغادر إلى وزارته، وذاك وزیر معزول طوال وقته في وزارته، ولا یأتي إلى رئاسة الوزراء إلا اذا طلبه الرئیس، أو بسبب جلسة مجلس الوزراء، ویبقى ساكتا طوال الجلسة ولا یتحدث إلا في جانب محدود، یخص ملفا محدودا،
    وثالث نوع یتصفون بالجدل وإثارة النقاش والانفعالیة، ویتجنبھم الرئیس الموجود، حتى اول تعدیل، ویتم اخراجھم، فیما النوع الرابع لا یذكره الرئیس ولا الوزراء، ولا الناس أیضا، في بلد، لم یعد یحفظ فیه شعبه، أسماء مسؤولیه.

    لا یوجد كما یتوقع الناس، خلیة تخطیط في رئاسة الوزراء، في الأردن، بحیث یجتمع وزراء الاقتصاد، للتخطیط لمصلحة البلد، أو
    یجتمع وزراء التعلیم مع الرئیس وعدد من المختصین، لتعدیل الاستراتیجیات، وحل المشاكل، أو حتى أي مجموعة أخرى، وھكذا
    لا یمكن وصف مجلس الوزراء بكونھ مجلسا یعبر عما تعنیه كلمة حكومة، بقدر كونھ مجلسا لإدارة شؤون البلد في الحد الأدنى.

    ھذا یفسر ان اغلب الوزراء السابقین تنفجر أفكارھم ومقترحاتھم خارج الحكومة، لانھم داخل الحكومة، أساسا، لا یجدون مساحة
    لفتح ھكذا ملفات، أو ان طبیعة عمل واجتماعات مجلس الوزراء لا تسمح بمثل ھذه المشاركات، وقد تحولت اعمال المجلس إلى اعمال روتینیة لا یتم معھا فتح ملفات استراتیجیة، ولا ینتج عنھا حكومة مصغرة لكل ملف من الملفات، ھذا فوق ان وقت الرئیس
    ذاته، لا یكفي أحدا ممن حولھ، وبحیث تغرق الحكومة في الاعمال الیومیة فقط.

    یفرض كل ھذا تغییر آلیات عمل مجلس الوزراء، فھي آلیات فاشلة وغیر منتجة وضعیفة، وكل مھمتھا تسییر الاعمال، وفي حالات
    لا یجد الحاضرون وقتا، من اجل الاستماع إلى شرح مفصل من وزیر مختص حول مشاكل وزارتھ، للوصول إلى قرارات جذریة، وھذا یعني ان الحكومة لا بد ان تجد جلسة من نوع مختلف، تكون مخصصة كل مرة، لوزیر حول شؤون وزارتھ، لتقدیم شرح كاف، وعرض المشاكل والحلول، وثم نقل خلاصات ھذه الجلسة إلى جلسة مجلس الوزراء العامة، إضافة إلى وجود مجلس وزراء مصغر وخلیة أزمات في مجلس الوزراء، لبحث الملفات المستجدة والمتوقعة.

    بدون ھذا سیبقى الوزراء بلا فائدة داخل الحكومة ذاتھا، ولكل وزیر شلتھ وجماعتھ، أو بعیدا في جزیرتھ المعزولة، متجنبا الرئیس،
    والحكومة، والاعلام، باعتبار ان الابتعاد والتواري، خیر وسیلة لإطفاء الأضواء وكلفتھا حول الوزیر، ووجوده داخل أي حكومة موجودة، أو مقبلة على الطریق.

    كل ھذا یفسر فك عقدة الوزراء بعد خروجھم من مواقعھم، لانھم لا یمتلكون الجرأة للاعتراف والحدیث حول الخلل الخطیر في
    آلیات الحكومات وعملھا، ونقاط الضعف في بنیتھا الداخلیة، والتي تحول الحكومات إلى مجرد جسم اداري یدیر شؤون الموظفین
    والحیاة الیومیة، بدلا من كونھا مراكز قرار كما یفترض الناس.





    [19-06-2019 09:43 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع