الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "جن" .. وأسئلة لجدل بالقضایا الاجتماعیة والثقافیة!

    قد لا یكون مستغربا الجدل الواسع في الشارع الأردني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي تناول موضوع مسلسل ”جن“، وتشكل رأي عام معارض له من منطلقات اجتماعیة وثقافیة، على اعتبار أن السمة الغالبة على المجتمع الأردني هي المحافظة، رغم الكثیر من التشویه والتناقضات الاجتماعیة والثقافیة التي یمر بها هذا المجتمع، وتخرجه حتى من تحت هذا التصنیف المحافظ إلى تصنیف ربما لا تجده بكتب علم الاجتماع والسیاسة!

    ویبقى من باب حق النقد وحریة الرأي الهجوم على فكرة المسلسل وعدم مناسبتها للمجتمع الأردني بأنساقه الاجتماعیة والثقافیة بهذه المرحلة التاریخیة؛ لكن الملاحظ عند التدقیق في الحملة الواسعة بهذه القضیة، والتي تبرز بوضوح وكموضوع قابل للدراسة والتقییم عبر تداعیاتها والتعلیقات حولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو أن النقد والاعتراض على فكرة المسلسل وعلى قصته وحبكته، تجاوزت هذه القضیة الجوهریة إلى ما هو أبعد لیختلط الحابل بالنابل، ولتدخلنا بدوامة لا متناهیة من الخلاف ولتكشف جبلا من التناقضات والزیف في الوعي.

    في الآراء المضادة للمنتقدین للمسلسل المذكور، أو حتى لبعض المنتقدین للمسلسل لكن مع تحفظهم على نزعه من سیاق سلسلة من الأزمات الاختلالات والاجتماعیة والثقافیة التي نعانیها، یمكن تلمس اتساع حجم الوعي الزائف وصمت المجتمع والعدید من نخبه على العدید من الازمات الاجتماعیة والثقافیة التي قد لا تقل خطورة عما طرحه مسلسل ”جن“، وربما كان تأثیرها على المجتمع وقیمه ومصالحه العامة اكثر بكثیر، لكنها نظام الفزعة والانقیاد احیانا لتحشید البعض من النشطاء ممن یركزون لأسبابهم الخاصة على قضایا وازمات وترك ازمات وأوجه قصور اخرى ربما تكون بتأثیراتها وتداعیاتها اكبر واخطر بكثیر على المجتمع.

    خذ مثلا قضیة التحرش وانتشارها باتساع في شوارعنا واسواقنا رغم أن المجتمع محافظ ویفترض به السمو الاخلاقي والاجتماعي بحسب السردیات المطروحة بخطاباتنا وحواراتنا. هذه الكارثة الاجتماعیة؛ التحرش بالفتیات وحتى بالطفلات منهن، ظاهرة تنخر بقوة بالمجتمع، بل وتجد تواطؤا واسعا من الناس عبر رفض الاعتراف بها او التقلیل الزائف من انتشارها خوفا على صورة المجتمع ”الفاضل“ المتوهمة، أو وهو الأدهى، عندما یذهب البعض، وهو بعض كثیر، إلى تحمیل الفتاة الضحیة مسؤولیة التحرش بدعوى لباسها او خروجها إلى السوق مبتسمة او الاختلاط بالجامعات والاسواق وغیرها من حجج واهیة ومضللة، تسهم بالمحصلة بمفاقمة الظاهرة البذیئة التي تنتهك حرمات وخصوصیات وحقوق الفتیات والمجتمع كله.

    عدم احترام الممتلكات العامة باعتبارها مشاعا قابلا للاعتداء والتخریب أو السطو، ورفض الالتزام بالقانون إن كان بالإمكان التهرب من مسؤولیة ذلك لأسباب اجتماعیة أو عشائریة، وانتشار ظاهرة مصادرة حق الأنثى بالمیراث رغم مخالفته الشرع، وانتشار ظواهر العنف الاسري وضد الأطفال والعنف المجتمعي والطلابي.. كل هذه الظواهر الاجتماعیة والثقافیة السلبیة وغیرها ما تزال تنخر أیضا بالمجتمع ومصلحته العامة دون أن تقابل بفزعات وحملات قویة وواسعة كما حصل مع الحملة على مسلسل ”جن“، والذي قد تكون بعض الانتقادات
    والتحفظات علیه محقة ووازنة.

    الراهن؛ إن أي نقاش وجدل عام في أي قضیة؛ اجتماعیة سیاسیة ثقافیة فكریة وغیرها، أمر مطلوب ومحمود وطبیعي، لكن المشكلة أحیانا كثیرة هي في انزلاق النقاش والجدل لمنزلقات خطرة وغیر منتجة لصالح المجتمع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن احتدام الجدل بقضایا وظواهر منتقاة دون غیرها من قضایا وظواهر قد تكون اخطر واكثر إلحاحا وانتشارا یعكس حجما مترسخا من التناقضات والوعي الزائف بالمجتمع، ما لا یصب بالمحصلة في مصلحة هذا المجتمع وتقدمه على الصعیدین الاجتماعي والثقافي.





    [17-06-2019 08:53 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع