الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    البحث عن الإقلیم القاعدة

    حالة رمادیة في السیاسة الاقلیمیة تختلف فیها الصورة الذهنیة حول الذات، وطریقة تصور الآخرین من عاصمة إلى أخرى، وسط الصراع المحتدم منذ سنوات على ادوار قیادیة في الاقلیم، ولا تتورع هذه العواصم عن استخدام عناصر القوة الصلبة وتتنافس بشراسة على مضامین القوة الناعمة للاستحواذ على مقعد الإقلیم القاعدة في منطقة تشهد تحولات واسعة ولا تصبح على ما تمسي علیه.

    امتدادا من طهران إلى تل ابیب ومن الریاض إلى أنقرة وصولاً الى عواصم اقل شأنا تختلف المبررات والدوافع، كما یختلف إدراك كل طرف لحدود قدراته وقدرات الآخرین، ولطبیعة عناصر المنافسة وفوق ذلك وقبله تختلف رؤیة كل طرف لتوقعات الآخرین منه، وعلى المستوى العربي تحدیدا اتاح الفراغ الذي تركته القاهرة نتیجة تراجعها في التأثیر في التفاعلات الاقلیمیة فرصا ساهمت في الطموحات الجدیدة وفي حالتي الغموض والفوضى.

    مسارات التفكیر الاستراتیجي النشط حول هویة الإقلیم القاعدة الذي سیقود المنطقة بعد التحولات الكبیرة التي مرت بها، جعلت الوظیفة القیادیة الإقلیمیة شبه مفقودة بعد مرحلة من التوازنات الهشة استمرت أكثر من عقدین، أخذت هذه المسارات خلال الاشهر الماضیة المیل نحو العلنیة الخشنة في محاولة بعض الأطراف انتزاع الاعتراف بها، في إشارة واضحة لحجم القلق الكبیر الذي ینتاب العواصم الإقلیمیة من خطورة الفراغ الاستراتیجي في الوظیفة القیادیة للإقلیم من جهة وحجم الفرص التي یتیحها هذا الفراغ من جهة أخرى، في حین لم تنل اي من العواصم الطامحة الحد الأدنى من شرعیة الزعم بأنها باتت اقلیما قیادیا للمنطقة.

    هویة الإقلیم هي صلب الصراع على الدور القیادي بین الإقلیم العربي الذي شكله عبدالناصر في نهایة الخمسینیات من القرن الماضي وقارب على الزوال، وبین الإقلیم الجدید الذي یتشكل عبر تفاعلات وعرة بین واشنطن وطهران وتل ابیب والریاض ، بینما یُلخص الصراع على الدور الإقلیمي المركزي والأدوار الإقلیمیة المساندة خلاصة التفاعل السیاسي والاستراتیجي بین عواصم القوة الواعدة التي تتوق لهذا الدور , وعواصم أخرى أتعبتها صراعات الإقلیم وكلفها وتحاول الحفاظ على الحد الادنى من القیم السیاسیة.

    لقد تغیر مفهوم الدور الإقلیمي والوظیفة القیادیة، ولم یعد الأمر یدور حول المقولات التقلیدیة للقیادة والریادة والسبق، بل یرتبط هذا المفهوم في الاستراتیجیات المعاصرة بقدرة المنظومة الإقلیمیة على التفاعل الایجابي وتراكم المصالح فیما بینها أكثر من الجانب الصراعي للمفهوم التقلیدي وهو أمر ما یزال بعیدا عن هذه المنطقة حیث یبنى مفهوم الدور الاقلیمي هنا بشكل مختلف وعلى اساس التعبئة والهیمنة.

    تعمل عوامل عدیدة في تحدید طبیعة سلوك مراكز القوة الإقلیمیة التي تتحفز للدور الجدید، أهمها المنظور الأمیركي الإسرائیلي للمنطقة في هذه المرحلة والقائم على تصور المنطقة الممتدة من باكستان إلى المغرب العربي فیما یسمى بالشرق الأوسط الكبیر منطقة مغلقة للمصالح الأمیركیة تقوم الولایات المتحدة بتحدید حجم التفاعلات الداخلیة فیها وتوزیع الأدوار وتحدید حركة كل طرف وأنماط التحالفات، في حین تعمل قدر المستطاع على ان تبقى هذه المنطقة معزولة استراتیجیاً عن تفاعلات القوى الدولیة الأخرى، أي احتكارها استراتیجیاً من خلال سیاستي الإدماج الكامل كما یحدث مع المراكز المالیة على الخلیج العربي والتطویع
    والترویض أو التقطیع والتغییر كما یحدث مع إیران وسوریة، وعلى امتداد هذه المساحة تشكل الصراعات المحلیة الوجه الآخر لطریقة توزیع عناصر القوة والأدوار كما تراها واشنطن وتل ابیب، یدرك الاستراتیجیون الأمیركیون ان المنطقة التي باتت تسمى مؤخراً في أدبیاتهم (هلال الأزمات) هي منطقة التوتر الأولى في العالم وهي البیئة الخصبة لازمات لا تنتهي، ومنها أیضا ینطلق تغییر العالم مرة أخرى كما حدث في مرات سابقة آخرها نهایة الحرب الباردة ، ویمتد هلال الأزمات من أزمات باكستان وأفغانستان شرقاً مروراً بإیران والعراق وصولاً إلى الصراع الفلسطیني- الإسرائیلي ولیبیا والجزائر.





    [16-06-2019 10:25 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع