الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ضع عقلك على الرف،،، سنفكر نيابة عنك!!!

    يصف بعضهم شعوب العرب بأنها شعوب عاطفية وحماسية وأظن أن هناك مقدار كبير من الصحة في هذا الوصف لأن الواقع يصدق هذا القول ! هذه الصفة ليست شرا مطلقا ولكنها سلاح ذو حدين فقد تكون إيجابية في بعض المواقف التي تتعلق بالمسارعة في فعل الخير ولكنها تتحول إلى صفة سلبية إذا ما تعلق الأمر بإصدار الأحكام لأنها تجعلنا نسير مع أي تيار بسهولة بسبب هذا الاندفاع العاطفي!

    في فترة الدراسة الجامعية كان لي صديق شديد الاندفاع والحماسة، كان ينضم لأي مظاهرة بالجامعة بغض النظر عن هدفها! ما أن يرى مجموعة من الطلبة تهتف بملء حناجرها حتى يسارع بالانضمام إليهم ويبدأ بالهتاف معهم، في بعض الأحيان لم يكن يدري صديقي سبب هذه المظاهرات ولكنه الحماس الزائد حتى أنه كان ينضم لمظاهرات لكتل متضادة في الفكر والتوجه وأتوقع لو كان هناك مظاهرة لجماعة حماية حقوق السلاحف لشارك فيها دون أدنى تردد! باختصار كان صديقي سريع الاشتعال ويمشي مع أي تيار وأي موضة سائدة، كان مثل (البنزين) الذي لا يكاد (يشم) رائحة النار حتى (يهب).

    قرأت عن تجربة مهمة في علم النفس عن كيفية تأثير رأي المجموعة على الفرد اسمها تجربة (سولمون آش) أو نظرية "عقل القطيع"! هذه التجربة خلصت لنتيجة مفادها أن الفرد في أغلب الأحيان مرتهن لرأي المجموعة على حساب قناعاته وعلى حساب المنطق والصواب! الفرد مستعد لتغيير رأيه وتكذيب نفسه والشك في الحقائق من أجل أن يساير التيار حتى يبدو منسجما مع الآخرين ومن أجل أن يكون على صواب لأنه يعتقد أن الصواب دائما مع المجموعة. بما أنه تم تصنيفنا في خانة الشعوب العاطفية والمندفعة فإننا بلا شك سنخضع لتأثير تجربة سولمون آش ولنظرية عقل القطيع أكثر من غيرنا لذلك سترانا نسير مع أي (ترند) شائع دون أن نترك مجالا لأنفسنا للمراجعة والتفكير!

    المجموع يقول لك ببساطة: اترك عقلك جانبا ونحن سنفكر نيابة عنك! لا ينبغي لك أن تكون صاحب رأي مستقل ولا يجوز لك أن تشذ عن المجموع، عليك أن تمشي مع التيار ولا تسأل عن الوجهة حتى لو أوصلتك إلى جرف هار!

    يلتقي بعض الأصدقاء أو الصديقات ويبدؤون بالحديث عن مسلسل أو فيلم أو أغنية ما، ربما يكون بين هذه المجموعة شخص لم يشاهد هذا الفلم ولم يتابع المسلسل الذي يتحدثون عنه ولكنه يصاب بالفضول وتبدأ لديه الرغبة في مشاهدة هذا العمل العظيم الذي يتحدثون عنه حتى لو لم يقتنع به لاحقا ولكنه لا يريد أن يظل مثل (الأطرش في الزفة) ولا يريد أن يظهر بمظهر الشخص (الغريب) ذي الرأي الشاذ! ليس من المعقول أن كل هؤلاء معجبون بهذا العمل دون أن يكون بالفعل عملا رائعا ومدهشا! لا بد له أن يسايرهم حتى ولو خالف قناعاته!

    لو نظرت إلى مواقع التواصل لوجدت أن ظاهرة (القص واللصق) للرد على منشور معينة شائعة بين الناس، ستجد دائما أن هناك رد متكرر دائما باعتباره (ترندا) مسيطرا في قضية أو حدث ما! كثير من الذين يمارسون هذا القص واللصق يقومون بهذا الفعل كما هو دون أدنى تغيير حتى لو كان جزء من هذا الرد يخالف أفكارهم! المهم أننا أعجبنا بالرد دون أن نمحصه ونفحصه حتى ودون أن نعدل عليه ولو بشق كلمة بمعنى آخر قمنا بإلغاء أنفسنا تماما من أجل أن نسير مع التيار!

    الأمر ينطبق على الموضة، كم من قصات شعر (مقرفة) انتشرت وكم من أزياء وملابس ارتداها الناس وهم لا يبالون إن كانت تناسبهم أم لا! كان يكفي أن يظهر تصميم (بنطال) من ماركة معينة حتى تتفاجئ أن معظم الشباب يرتدونه دون تنسيق مسبق وكأنهم (طقم فناجين) أو أعضاء في فرقة (زفة)! الأمر ذاته ينطبق على ما يشاهده الناس في التلفاز وينطبق حتى على (الطبخ) بل ويتعداه إلى نشر معلومات صحية وتداول أخبار عن ظواهر طبيعية وقصص من صنف (صدق أو لا تصدق) ودراسات ليس لها أي مصدر علمي، وحتى الأحاديث النبوية والأدعية التي يتداولها الناس دون التحقق من ضعيفها وصحيحها مما أدى إلى انتشار لمئات الأحاديث الموضوعة والمنكرة وصار يتداولها الناس وهم على قناعة أنها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنهم بنوا عليها أحكاما فقهية لا علاقة لها بالدين وكل هذا بسبب اعتقادهم أنه ما دام المجموع يتداولها وينشرها فهي بلا شك صحيحة ولا تقبل الشك! بالمختصر أصبحنا من حيث ندري ولا ندري دور نشر وتوزيع للأخبار الكاذبة وكل هذا لأننا نريد أن نكون جزءا متساوقا ومنسجما مع المجموع ولأننا نعتقد أن المجموع لا يأتيه الباطل.

    أحترم الذين يحترمون عقولهم ويرفضون الانقياد والانصياع لسلطة وهيمنة المجموع مهما بلغت سطوته ويرفعون شعار: عقلي أولا! لا يصيبهم الهوس بأغنية تافهة أو مسلسل هابط أو فلم بلا مضمون حتى لو وصلت مشاهداته لملايين المرات! هؤلاء الذين يرفضون السير مع التيار مهما كان جارفا ويعزلون أنفسهم عن ضجيج المجتمع حين يحكمون على الأشياء لئلا تنحرف بوصلتهم، أحترم الذين يميزون الجيد من الرديء ويعرفون الصواب حتى لو كان وحيدا في بحر من الظلمات ويرفضون الخطأ حتى لو ساد وانتشر ورفعت لواءه الأكثرية.

    أما الذين جعلوا شعارهم:

    وما أنا إلا من غزية إن غوت.... غويت وإن ترشد غزية أرشد
    فنقول لهم أن الحق والصواب لا يعرف بالمجموع وإلا لكان شذوذ قوم لوط هو الصواب ولكانت سخرية قوم نوح من نبيهم عملا صحيحا.

    هل سمعت أن أحدهم جرفه التيار ونجى؟ معظم الذين نجوا من الغرق كانوا من الذين قاوموا التيار وسبحوا ضده حتى استطاعوا الوصول إلى ضفة الأمان.





    [20-05-2019 08:25 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع