الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ما بعد کلام الملك

    حدیث جلالة الملك عبدالله الثاني بمدینة الزرقاء جاء لیؤكد على الموقف الأردني الرسمي الثابت تجاه القدس، فالملك، كما ھو حال
    كافة الأردنیین، یعتبر القدس خطا أحمر بصرف النظر عن الضغوطات التي تمارس على الأردن. والحق أن كلام الملك كان مطمئنا وبخاصة بعد أن ساد مناخ من التشكیك في كل شيء في المنطقة.

    في معرض حفل توقیع كتابي الأخیر عن الأردن وإسرائیل یوم الأربعاء الماضي قدمت قراءتي للمشھد الداخلي بخصوص وحدة الموقف من القدس وأنھا لیست موضع اختلاف بین الأردنیین، عندھا قال أحد الحضور إن ھناك وجھات نظر أخرى لا ترى بإسرائیل تھدیدا!! ما أزال مقتنعا برأیي بأن الأردنیین موحدون في موقفھم تجاه القدس وأنھم لا یثقون بإسرائیل ولا یعتبرونھا دولة
    طبیعیة بأي شكل من الاشكال، واستطلاعات الرأي تشیر إلى أن أكثر من 90 % من الأردنیین یعتبرون إسرائیل عدوا.

    لكن في الوقت ذاتھ ھناك من یقول إنھ لا ینبغي أن یقلق الأردن كثیرا على اعتبار أن الجانبین الفلسطیني والأردني لن یقبلا بصفقة القرن وبالتالي فإن الصفقة لن یكون لھا أي قیمة. ھنا أسجل اختلافي، فعلى الرغم من الموقف الأردني الرسمي الواضح إلا اننا الحلقة الأضعف في مثلث الصراع ولا یمكن لنا عملیا أن نمنع الجانبین الأمیركي والإسرائیلي من المضي في تنفیذ بعض بنود
    الصفقة وبخاصة إذا وجد طرف عربي قوي یتوافق مع أمیركا في ھذه القضیة على وجه التحدید.

    لم یوضح جلالة الملك شكل ومضمون الضغوطات التي تمارس على الأردن، وربما لم یكن منتظرا من الملك أن یقوم بتسمیة الأشیاء بمسمیاتھا بحكم موقعھ الرسمي، لكن نحن معشر الكتاب یمكن أن نقوم بذلك. والنقطة الأھم في ھذا السیاق أن المشھد الإقلیمي انقلب رأسا على عقب، فمحور ”الممانعة“ یخوض معركة بقاء في حین یعاني محور ”الاعتدال“ من انقسامات عمیقة بعد
    اختلاف أعضاء ھذا المحور في تحدید مصادر التھدید الرئیسیة في الإقلیم. وھذا بدوره أفضى إلى تغیر في أولویات بعض الدول
    الرئیسیة في محور الاعتدال، فمثلا یخوض نظام السیسي معركة حقیقیة مع الاخوان المسلمین ویخشى من ثورة داخلیة، في حین
    تخوض السعودیة معارك مع إیران. والتبدل في أولویات دول اعضاء محور الاعتدال لم یكن تكتیكیا بل استراتیجیا، وفي ھذا
    السیاق تتغیر إسرائیل من دولة تشكل التھدید الأبرز في الإقلیم إلى دولة یمكن أن تكون عامل استقرار! وعلیه فإن كل ما ذكرت
    یشكل ضغطا جدیدا على الأردن الذي ما یزال یرى أن أكبر مصدر یھدد أمنھ الوطني یأتي من فشل حل الدولتین.

    الدولة الأردنیة بحاجة إلى أكثر من تعبیر لفظي یرفض أي مساس بالقدس ویرفض صفقة القرن، ھناك حاجة ماسة إلى إجراء
    تغییرات جوھریة في بنیة صناعة القرار وآلیة تشكیل الحكومة وھناك ضرورة لوجود برلمان مسّیس یمثل الأردنیین خیر تمثیل
    ویفھم كیف یمكن أن یتحول البرلمان إلى نقطة قوة تدعم صانع القرار بدلا من كونھ مكانا للمزایدات اللفظیة والتبعیة المطلقة
    للحكومات.

    لا أعتقد أن المجتمع السیاسي الأردني بھذه الحالة في موقع من یقاوم أي مشروع إقلیمي قادم، لذلك ھناك ضرورة لتمكین الناس في سیاسیا حتى یتسنى لھم المشاركة في صناعة القرار وتحمل كلف وأعباء أي قرار یرونھ مناسبا. كما أن ھناك حاجة للتفكیر ملیاً تنویع الخیارات في السیاسیة الخارجیة. نحن نعرف جیدا أنھ عندما تحین ساعة الحقیقة فھي لن تقدم لنا إلا الخیبات. بكلمة، علینا أن نفكر في خیارات الأردن ولا نكتفي فقط بالرفض.





    [23-03-2019 09:49 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع