الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    النقاش الکبیر في الأردن

    أخفقت النخبة السیاسیة الأردنیة في صیاغة جدول أعمال وطني یتضمن أولویات المرحلة المقبلة. ویتجلى ھذا الإخفاق في حالة من انعدام الیقین العام حیال مستقبلنا.

    یمكن رد الفشل النخبوي لأسباب عدة؛ ذاتیة وموضوعیة، أھمھا، الصدمة السیاسیة والفكریة التي خلفتھا الأحداث الجاریة في العالم العربي منذ عدة سنوات، والمتمثلة بفشل ثورات الربیع العربي، وانكشاف المجتمعات وحدود قدرتھا على التغییر السلمي.

    ذاتیا، عجز النخب السیاسیة عن تجاوز حساباتھا الشخصیة ومصالحھا الضیقة، وسعیھا للمناصب بشتى الطرق. وتراجع مفھوم
    المسؤولیة لیغدو مجرد وظیفة، یقاتل صاحبھا للحفاظ علیھا، حتى وإن تطلب ذلك تخليه عن مسؤولیاته. وشتان بین الموظف
    والمسؤول.

    ولم تسعف الحالة البرلمانیة الحیاة السیاسیة في البلاد، في وقت سقطت فیه معظم الأحزاب السیاسیة بفخ الجمود والتبعیة الشخصیة، والخطاب التقلیدي، فلم تعد تغري الجماھیر أبدا.

    رافق تلك الأوضاع صعود ھائل لتیار شعبوي بفعل تنامي تأثیر وسائل التواصل الاجتماعي في حیاة الناس، وخضوع رھط غیر
    قلیل من الساسة والعاملین في الحقل الوطني لتأثیر ھذه الموجة، دون اعتبار لمصالح الدولة العلیا وإمكانیاتھا على الصعیدین
    الداخلي والخارجي. وبشكل عام أصبحت صلة النخبة بالشعب مقتصرة على أدوات العالم الافتراضي.

    لكن المفارقة العجیبة أنه وفي ظل ھذا المستوى المتقدم من التواصل المستمر على مدار الساعة بین الناس ونخبھم عبر منصات
    الشبكة العنكبوتیة، تتعمق الفجوة، وتتآكل الثقة، ویغیب الإجماع على الأولویات الوطنیة، لا بل نبلغ حالة غیر مسبوقة من التشتت
    والتفتت، وتصل الكراھیة في الخطاب السائد حد التوحش. وعلى المستوى الوطني العام نقترب من مرحلة الصدام، خاصة مع
    الشعور المتزاید بوطأة الأزمة الاقتصادیة الخانقة.

    فرنسا دولة عریقة، قادت ثورتھا التاریخیة العالم صوب الحریة والمساواة والنظام الدیمقراطي. لكنھا وبكل ما تملك من أدوات
    متحضرة لممارسة العمل السیاسي والمشاركة الكاملة في صناعة القرار وانتخاب قیادات الدولة، اضطرت أخیرا لسلوك نھج قد
    یبدو بدائیا بالنظر لمستوى تطور فرنسا، یقوم على الحوار المباشر مع الجمھور والقیادات المحلیة في المدن والمقاطعات والبلدات
    الصغیرة، فیما أطلق علیھ اسم ”النقاش الكبیر“ لصوغ برنامج أولویات وطني استنادا لمخرجات ھذا النقاش. وقد تفرغ رئیس
    الجمھوریة شخصیا للإشراف علیه.

    قررت الرئاسة الفرنسیة تخطي آلیة الحوار الحزبي والصفقات مع القادة السیاسیین، لبناء إجماع وطني مختلف بأدوات جدیدة كلیا
    في محاولة للخروج من المأزق السیاسي والاقتصادي الذي تفجر مع مسیرات السترات الصفراء في باریس وشوارع المدن الفرنسیة على خلفیة اقتصادیة بحتة.

    ھل یمكننا في الأردن أن ندیر نقاشا مشابھا، تتخطى فیه الدولة الھیاكل التقلیدیة للعمل السیاسي، وتعود إلى الأصول والقواعد لبناء الإجماع الوطني من جدید؟

    ھناك في المحافظات وكل مدن وبلدات المملكة، مجالس وھیئات محلیة منتخبة كمجالس المحافظات والبلدیات، والجمعیات التعاونیة
    والخیریة، والھیئات النقابیة والروابط المدنیة التي ینخرط فیھا الشباب والنساء، تشكل في مجملھا ھیئة عامة منتخبة من الشعب
    الأردني، تلامس الواقع الأردني وھمومھ، وتشخص المشكلات استنادا لتجاربھا الحیة. وبحكم انخراطھا المیداني في الحیاة
    الواقعیة، تدرك قدرات بلادنا وفرص التغییر ومواقعھ. لماذا لا نفكر في تنظیم جولات من الحوار المنتج والمنظم مع ھذه الھیئات
    ومنتسبیھا، وھم الأغلبیة في المجتمع، على أن تتولاه ھیئة وطنیة ملكیة، مشكلة من أبناء المحافظات وشبانھا وشاباتھا، المنخرطین في العمل العام بھویاتھم المدنیة والأھلیة؟

    باختصار ینبغي على الدولة أن تفكر بالعودة لقواعدھا الاجتماعیة، لصیاغة برنامج وطني یستجیب لتحدیات المئویة الثانیة.





    [10-03-2019 08:43 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع