الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    أنا ومن بعدي الطوفان!

    في عز العاصفة الجماھیریة التي ضربت العالم العربي قبل سنوات، أعلن الرئیس السوداني عمر البشیر قراره التاریخي بعدم الترشح مرة أخرى لانتخابات الرئاسة. وفي عالمنا العربي یترشح الرؤساء عادة لا لینافسوا غیرھم إنما لیفوزوا فلیس ثمة احتمال آخر لنتیجة الانتخابات.

    لكن ما أن اتخذت الثورات الشعبیة مسارا مغایرا، تراجع الرئیس عن وعده وتمسك بكرسي السلطة. ظلت السودان تعاني ویلات الانقسام والحروب الأھلیة والفقر وبات رئیسھا مطلوبا للمحاكم الدولیة، وفرضت على البلاد والعباد جراء ذلك عقوبات اقتصادیة قاتلة، غیر أن الرئیس لم یتزحزح من مكانھ.

    بعد شھرین من الاحتجاجات الشعبیة سقط خلالھا عشرات القتلى، ظن الكثیرون أن البشیر في طریقھ لمغادرة السلطة، لكنھ رفض الصفقة المعروضة والمدعومة من قوى دولیة، وأعلن حالة الطوارىء في البلاد وأقال الحكومة المركزیة وحكومات الولایات، في وقت كان فیھ البرلمان یستعد لمناقشة تعدیلات دستوریة تمنح الرئیس ولایة حتى الممات.

    ”أنا ومن بعدي الطوفان“ ھكذا ھو الحال في عالمنا العربي. السودان لیست حالة استثنائیة، فالجزائر تخوض تجربة مشابھة. الرئیس الطاعن بالسن یصر على ”عھدة خامسة“ وسط رفض شعبي عبرت عنھ مظاھرات الأیام الفائتة بعد إعلان ترشح بوتفلیقة، وشعارھا ”لا بوتفلیقة ولا سعید“ في إشارة إلى شقیق الرئیس الذي یدور الحدیث عنھ كخلیفة محتمل لبوتفلیقة.

    مآلات الثورات العربیة منحت البشیر وبوتفلیقة وغیرھما أعذارا قویة لتكریس الوضع القائم بدل المغامرة بالتغییر. حتى الاستثناء التونسي، یكاد یفقد بریقة. لم تحقق الثورة للتونسیین التغییر المنشود، فالبلاد ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادیة خانقة، والمشھد السیاسي في تونس تحول إلى مسرحیة یضجر منھا الشعب. منذ یومین فقط خرج الأمین العام لحزب نداء تونس الحاكم بإعلان من دولة الإمارات العربیة یعلن فیھ استقالة من الحزب بعد خمسة أشھر على ھروبھ من تونس إثر اتھامات بالفساد لاحقتھ وصدور حكم علیھ بالسجن خمس سنوات لاصداره شیكا بدون
    رصید!

    مصر التي تمثل قدوة لكل العرب، تقترب ھى الأخرى من إقرار تعدیلات دستوریة تمنح الرئیس عبد الفتاح السیسي ولایات مفتوحة لحكم مصر. وما تبقى من دول ثورات الربیع العربي تحولت لمسرح تغمره الدماء والفوضى. فأي نموذج یقتدى؟ ھل یتراجع بوتفلیقھ عن ترشحھ تحت ضغط الشارع، وھل یسلم البشیر السلطة قبل أن تستفحل
    الأزمة في السودان؟

    لیس ھناك ما یبعث على التفاؤل في التوقعات، فالقوى المھیمنة في البلدین تدعمان خطوات الزعیمین، وسیمضیان مھما بلغ حجم الاحتجاجات. ھكذا عودنا الزعماء العرب؛ الإمساك بكرسي الحكم حتى الموت.

    والكارثة أن موت الزعماء عادة ما یكون بعد فوات الأوان، حیث تبلغ الأزمات ذروتھا وتغرق البلدان في حروب وأزمات اقتصادیة یصعب انتشالھا، فلا یجد من یأتي من بعدھم ما یقدرون على فعلھ لإنقاذ البلاد بعد أن وصلت مرحلة الخراب. والحدیث ھنا لیس عن بلدان فقیرة ومحدودة الموارد، بل عن الجزائر الغنیة بالغاز والنفط والثروات الطبیعیة والسیاحیة، وعن السودان شبھ القارة التي تستطیع أرضھا الغنیة أن تطعم كل الشعوب العربیة.





    [24-02-2019 01:09 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع