الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الصلح مع الذات .. ونهضة وطن

    كتبت المحامية سهير القبطي - لم يكن لدولة مثل ماليزبا النهوض من الفقر المد قع والتي وصلت نسبه إلى إلى 52% من تعداد السكان في بلد شهد صراعات دينية بحكم تعددها والتي صلت الى ( 18 ) ديانه ، إلى أن جاءها المنقذ ( مهاتير محمد ) عام 1981 وتولى رئاسة الوزراء لمدة ( 22 ) عاماً ، شهد ت خلالها الإزدهار والرخاء.
    مهاتير محمد من طبقة فقيرة ولم يكن من طبقة الاغنياء أو الحكام ، فوالده كان معلم مدرسة ، وكان يعمل بائعا للموز و بإصراره أكمل دراسته إلى أن أصبح طبيباً عام 1953 .
    هذه الظروف والمصالحة مع ذاته دفعته إلى سماع أنين الفقراء والمحتاجين من طبقة العامة ، وصاغها كفكره في كتابه الشهير ( مستقبل ماليزيا ) عام 1971 ، والذي كان محوره أن لا مستقبل لماليزيا قبل إصلاح البيت الداخلي وعقده الإجتماعي والصلح مع الذات ومع الآخر ، والشعور بالمواطنة الحقيقية لتحقيق أهداف النهضة وتتنطلق كأسراب الحمام .
    وبعد ( 22 ) عاماً من تقلده رئاسة الوزراء أصبحت ماليزيا إحدى أنجح إقتصاديات جنوب آسيا وإنخفضت نسبة الفقر من (52 % ) إلى ( 5% ) ونسبة البطالة إلى ( 3% ) وزيادة دخل المواطن ( 9 ) أضعاف .
    لم تكن البرازيل أفضل حالاً في ثمانيات القرن الماضي إلا بإختلاف إطاري ، حيث توجهت إلى صندوق النقد الدولي للإقتراض معتقدةً أنه العلاج السحري لحل أزمتها الإقتصادية . ولم تكن نتائج هذا الاقتراض إلا زيادة في الاعباء وتطبيق حزمة من الشروط المجحفة التي زادت الامور تعقيدا ، مما أدت إلى تسريح ملايين العمال وتخفيض الأجور وإلغاء الدعم ، وبالتالي إنهيار شبه كامل لإقتصادها ، وهبوط الملايين تحت خط الفقر ، كما أصبحت في وقتها الدولة الأكثر فساداً ، والأعلى بمعدل الجريمة وتعاطي المخدرات ، مما حذى بصندوق النقد بتهديدها بإعلان إفلاسها إن لم تسدد فوائد هذه القروض .
    إلى أن إستلم الرئاسة عام ( 2003 ) المنقذ ( لولا دا سيلفا ) الذي كان هو الآخر من الطبقة الفقيرة التي عانت من الجوع وظلم الإعتقال ، مطلقاً جملته المشهورة ( لم ينجح أبداً صندوق النقد إلا في تدمير البلدان ) .
    وقد كانت بداية مشوار نهضته بلملمة جروح مواطني البرازيل وإعادة الثقه بين المواطن والسلطات ، فبعد ثلاث سنوات من حكم هذا الإيقونه عاد إلى البرازيل ( 2 ) مليون مهاجر تبعهم مليون ونصف مستثمر أجنبي ، وبمضي أربع سنوات سددت البرازيل ديونها لصندوق النقد الدولي ، لا بل أصبحت مقرضه للصندوق وكسادس أغنى دولة في العالم .
    وقد أبى إلا أن يترك الحكم بعد إنتهاء ولايته عام 2011 رغم مطالب الشعب بتعديل الدستور وتمديد ولايته قائلاً كلمته الشهيرة " البرازيل قادرة الآن أن تنجب مليون ( لولا دا سيلفا ) لكنها تملك دستور واحد " .
    ولن تفوتني هنا تجربة الهند مع بداية تسعينيات القرن الماضي عندما وصلت إلى حضيض خط الفقر بأربعمائة مليون شخص ، إلى أن أتاها عراب التغيير إبن عامة الشعب ( نارسيما راو ) ليصبح رئيس وزراء الهند التاسع من سنة 1991 _1996 ، ويعين طاقماً متناغماً من الوزراء أبرزهم وزير المالية ( الدكتور ماغوهان سنغ ) ليقود ثورة النهضة بواقع مفصلي وليضع الهند دولة المليار ويزيد على أسس سليمة أوصلتهم اليوم إلى سابع أقوى إقتصاديات العالم والمركز الأول في معدل النمو الإقتصادي .
    ومن النماذج الأخرى والمختلفة في ظروفها والتي تستحق الذكر والإحترام هي تجربة رواندا في الوسط الإفريقي ، والتي شهدت أكبر إبادة جماعية عرفت في القرن العشرين ، بحسب تقرير الأمم المتحدة فإن الحرب الأهلية التي قامت بين قبيلتي ( الهوتو والتوتسي ) عام 1994 قد حصدت أرواح مليون قتيل ، عدا عن الأمراض والمجاعات لتصبح رواندا وقتها بقايا دولة ، حتى صممت بإرادة حديدية على تجاوز المحن والنهوض من جديد بصلح إجتماعي مبني على الأمل بالغد وإنخرطت في عمليات التطوير والتنمية ، ليس بأ قلها إقامة متحفاً خاصاً في العاصمة كيغالي لذكرى الإبادة الجماعية لتذكر مواطنيها أن التصافح والتسامح هو ما نقل البلاد إلى مرتبات التقدم البشري الإنساني . وأن روح الإنتقام هو روح هدام ومدمر لداخل الإنسان ومجتمعه .
    رواندا نجحت بالتصافح والتسامح ، ومن المجاعة إلى الريادة لتحتل اليوم المركز السابع عالمياً في معدل النمو الإقتصادي ، والمركز ( 22 ) عالمياً في ريادة الأعمال والمركز الأول في إفريقيا جذباً لرجال الأعمال ورمزاً للحضارة في القارة الإفريقية .
    إن النهوض بوطن ليس مستحيلاً ...إن أوجه التشابه بين الأربعة نماذج السابقة لنهضة أوطان وبغض النظر عن مفارقاتٍ في ظروف كلاً منها إلا أنها تتشابه في عنوان واحد للنهضة وهو " الصلح مع الذات والتصافح والتسامح مع الآخريين.....
    إننا قادرين على أحداث التسامح والصفح إنها إرادة وإدارة ... تتمثل في تبني سياسات الاعتماد على الذات وبناء روابط بينها وبين المواطنين بردم الهوه التي احدثها الفساد ، أن المصالحة مع الذات والتسامح وقبول الراي والرأي ألاخر وسيلة للنهوض بهذا البلد الذي احتضن ملايين الناس وهو واجهة الامان في المنظقة
    نعم ... هذه هي اللبنة الأساسية للبدء في نهضة وطن ( التصالح الإجتماعي ) ولملمة الأحزان والأوجاع داخل بيوت الوطن وأبنائه وإعادة الثقة بين جميع أركان المجتمع ، إنها عملية تحول في عالم الطاقة من السالب إلى الموجب وإطلاق الإبداع وفلسفة الهوية الواحدة ، وليس في هذا التصالح الإجتماعي طرف خاسر لأن مصلحتنا واحدة وهي النهوض بالوطن والبدء من جديد .
    لنحسن الإصغاء والعمل كما طلب ويطلب منا سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ، بالتخيف على أبناء هذا الوطن من الأعباء ، والنهوض بالوطن وإرساء قواعد جديدة من التسامح والتصالح قائمة على الثقه المتبادلة . فهكذا تزرع البذور الجديدة لبدايات جديدة .
    حفظ الله الأردن قيادةً وشعباً .













    [13-02-2019 02:28 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع