الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    العلم أم الفهم

    كما ذكرت في مقالاتٍ سابقة لي: أن أول معلم في هذا الكون هو الله سبحانه وتعالى وأول طالب أو تلميذ من البشر في هذا الكون هو سيدنا آدم عليه السلام (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 31)). وقد علَّمَ الله الملائكة قبل سيدنا آدم (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة: 32)). فأول طلبه أو تلاميذ لله في هذا الكون من مخلوقات ربِّ العالمين هم الملائكة. ولكن العلم الذي علَّمَه الله للملائكة غير العلم الذي علَّمه لسيدنا آدم، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما طلب الله من الملائكه أن ينبئوه بأسماء الأشياء التي عَلَّمها لسيدنا آدم لم يستطيعوا، وقالوا لا علم لنا إلا ما علَّمتنا (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (البقرة: 33)). وكنتيجة للمناظرة التي أقامها الله بين الملائكة وسيدنا آدم عليها السلام فاز سيدنا آدم عليهم بعلمه ولهذا السبب سجدوا له إلا إبليس أبى وكان عدواُ لسيدنا آدم وذريته ليوم الدين (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: 34)).

    وكما ذكرنا سابقاً أيضاً أن الله خلق الملائكة بعقل بدون غريزة ولهذا فهم في الفهم يفوزون على سيدنا آدم وذريته لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم مثلما فعل آدم عندما نهاه الله هو وزوجه عن الإقتراب من الشجرة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(البقرة: 35))، فموضوع الغريزة هو الذي جعل عند سيدنا آدم وزوجه حب الذات وحب التميز والتملك ... إلخ. والغريزة إذا طغت على عقل الإنسان يغلق الفهم عنده ويقع في الخطاً ويصبح في تصرفاته كالحيوان. وقد خلق الله الحيوانات بغريزة وبدون عقل كما أوضحنا من قبل ولهذا السبب لا تفهم. ومما تقدم نعلم أن العلم شيء والفهم شيء آخر، فنقول والله فلان متعلم لكن لا يفهم كيف يتصرف مع غيره من الناس ويقع في أخطاء كثيرة. ولكن فلان رغم أنه ليس متعلم كغيرة ممن حوله لكن ما شاء الله عنه عَلَّمَتَهُ مدرسة الحياة كيف يتعامل مع من حوله. أي يجب علينا تقييم الناس ممن حولنا بمقياس الفهم وليس بمقياس العلم وكما قال الشاعر: وَكَم مُنجِبٍ في تَلَقِّ الدُرو سِ تَلَقّى الحَياةَ فَلَم يُنجِبِ.


    فالأباء والأمهات حريصين كل الحرص على تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات آملين أن يكونوا على قدر عالٍ من الفهم في التعامل مع غيرهم. ولكن للأسف نسبة كبيرة من المتعلمين ينقصهم فهم الحياة وكيفية التعامل مع الناس، والحياة مدرسة الأولين والآخرين وهذه المدرسة فتحت أبوايها على مصراعيها من يوم خلق الله آدم وزوجه عليهما السلام. ولم تغلق ولن تغلق أبوابها حتى يرث الله الأرض وما عليها. فعلينا أن نهتم بالفهم أكثر من العلم لأن الفهم يقود للعلم وتنميته، ويزداد الفهم عن طريق العلم أي العلم يكون مطية للفهم. فكثيراً من الأبناء حتى لو حصلوا على الشهادات العليا من الجامعات لا يفهمون حقيقة: لماذا آباءهم وأمهاتهم كانوا لا يتهاونون معهم وهم صغار في أي تصرف خاطيء إرتكبوه؟ ولا يفهمون لماذا آباءهم وأمهاتهم لم يلبوا لهم كل طلباتهم أيضاً وهم صغار؟ ولماذا غفلوا عن إعطائهم القدر الكافي من الحنان والعطب والحب ... إلخ لأن التربية الصحيحة للنفس البشرية والتي غريزتها حب الذات والتملك والتميز عن الغير والحصول على كل شيء هو في تهذيب وتحجيم النفس البشرية عن كل رغباتها وتلبية ما تحتاج فقط. وكل شيء يزيد عن حده ينقص وربما يؤدي إلى الفساد في التربية.





    [13-02-2019 09:03 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع