الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    عبدة الأصنام في عمّان

    لدينا طوائف سياسية في الأردن، تؤيد الظلمة العرب، وكل ديكتاتور حولنا وحوالينا، وهذه ظاهرة معروفة منذ الخمسينيات حتى يومنا هذا، وبعضنا لا يرتاح إلا حين يتعلق بأسفل بنطال هذا الزعيم المتجبر أو ذاك، خارج الحدود.

    هناك طوائف تتكاثر كما النمل، كل طائفة تؤيد ظالما عربيا، أو ديكتاتورا قوميا، والطائفة ذاتها تتعامى عن كل كوارث الديكتاتور، وتغفر له الكبائر والصغائر، فهو الزعيم الملهم، والقائد الفذ، والاختيار السماوي لأهل الأرضين، دون استثناء.

    الطوائف ذاتها في الشأن الأردني لا تغفر أبدا، و تريد إصلاح كل شيء، من الديوان الملكي، مرورا برئاسة الوزراء، والبرلمان، وصولا الى أصغر بلدية، ولا تقبل ان يقع شرطي في خطأ، وتعتبر ذلك عملا من أعمال الشيطان، وينفلت لسانها مرجلة وغضبا بحق كل ما في حياتنا.

    الخطأ في الأردن كبيرة من الكبائر، والخطأ خارج الحدود من اللمم المغفور، بسيط، ومبرر، ومفسر، وله ظروفه الثورية، وشروطه أيضا.

    في الخمسينيات توالدت الطوائف التي بايعت جمال عبد الناصر عبر الحدود، وبعض من فيها هرب الى أحضانه، باعتبار أن الأردن دولة رجعية عميلة للصهيونية، وبعض هذه الطوائف بايع أنظمة بعثية، كان على رأسها قتلة، وهرب بعضهم الى بغداد ودمشق، لأن ظلم الدكتاتور القومي، أهون بكثير، من المملكة وما فيها من رجعية، امبريالية، وصهيونية، ورأسمالية بلا قلب.

    ذات الطوائف تتكاثر انشطاريا، وبيننا من يؤيد صدام حسين، لأنه أرسل النفط مجانا إلينا، وكأن القصة قصة جالون الكاز او البنزين، أو لأنه قصف الاحتلال الإسرائيلي بصواريخ لم تؤذ إسرائيليا واحدا، وتتعامى هذه الطوائف عن حروبه التي مات فيها ملايين العراقيين والإيرانيين، فوق الجرحى والمعاقين، ومن عانوا جراء الحصار الظالم، او احتلال العراق لاحقا.

    لا يهم رأي العراقيين أحدا منا، إذ نحن قلب الأمة النابض، والمهم عندنا أن صدام حسين بطل، عز نظيره، لم يتخل عنا، ماليا، وتبنى خطابا قوميا بشخصيته الساحرة والأخاذة ، كما ذات كاريزما جمال عبد الناصر، وكأن السطوة اللفظية والشخصية بديل عن الحكم ومعاييره، فنحن شعب عاطفي، تأخذنا العين وأبصارها والأذن وسمعها الى أبعد مدى.

    طائفة الأسد في عمان، قصة أخرى، فهم يعتبرونه رجلا مقاوما، يقف بكل قوة في وجه الصهيونية ومشاريعها، وهو أيضا الرجل الذي حارب الإرهاب، ودفع كلفة لا بد منها من قتل وتشريد ملايين السوريين، واستعمال الأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، وكل هذا ليس مهما، فالمهم أن ينتصر الأسد، في وجه المتآمرين في هذه المنطقة، حتى لو كان الثمن التضحية بكل السوريين، لأن السوري الميت يمكن تعويضه، أما الرئيس فلا بديل له، ولا شبيه.

    حسنا، لكل طائفة ميولها، وهي حرة في تبعيتها وميولها، ولا أحد يحجر على الآخر رأيه، ولا يخونه، حتى لا نبقى في دائرة التخوين وتبادل الاتهامات، لكن السؤال يتعلق بجانب آخر، أي لماذا يحب العربي، تاريخيا، الحاكم الظالم الجلاد المتسم بالقسوة، والذي لا يرحم، ورصيده ملايين الجماجم، او الهزيمة في الحروب، او تدمير الاقتصادات وحياة الناس، خصوصا، اذا كان يحكم غيره، ولا يحكمه ؟.

    لماذا لا نضع في حسباننا أمرين، أولهما رأي مواطنيه فيه أولا، قبل رأينا نحن، ثم إنجازه الجمعي، لا إطلالته الرئاسية وهيبته المفرطة؟!

    في الأردن، لسنا مجتمع ملائكة، لكن ذات الذين يصفقون لكل ديكتاتور ويبايعونه ويرون فيه المجد، لا يقبلون أي تجاوز او خطأ هنا في الأردن، ولو طلبت منهم تبني ذات مطالبهم هنا في الأردن، ومطالبة النظام الذي يتبعونه خارج الأردن، بتنبي ذات المطالب، لما قبل أي واحد فيهم ذلك.

    كأننا أمام حالة انفصام، فالذي يريد الحريات في الأردن، لا يطالب بها بشار الأسد، ولا صدام حسين، ولا جمال عبدالناصر، والذي يريد إطلاق سراح المعتقلين في الأردن، لا يطالب بذات المطالبة نظامه القومي في دمشق أو بغداد أو القاهرة، والذي يريد محاسبة الفاسدين في الأردن، يهرول لمصافحة فاسدين في تلك الدول، أضاعوها وأضاعوا مستقبلها لألف عام، والذي يريد انتخابات حرة ونزيهة في الأردن، يتعامى عن المجالس النيابية المزورة في تلك الدول التي تتميز بخدمة إعلان نتائج الانتخابات قبيل فرز الأصوات.

    بالله عليكم. نحن لا نخونكم. لكن وحدوا المعايير ها هنا، فإما تغفروا ذنوب المملكة، قياسا على غفرانكم لذنوب الديكتاتوريات حولنا وحوالينا، وإما تشربوا حليب السباع وتوحدوا الخطاب وتطالبوا من ترونهم فخرا ورمزا في دول الجوار، بذات المطالب التي تفردونها في الداخل الأردني، من حرية وكرامة وخبز؟





    [05-01-2019 09:31 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع