الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ترامب يكتفي بالنصر على “داعش”

    بعد ساعات قليلة على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سورية، قدم وزير الدفاع جيمس ماتيس استقالته. يحسب ماتيس بالعاقل الوحيد في إدارة ترامب؛ قائد عسكري صاحب خبرة طويلة، يؤمن بالثوابت التاريخية لتحالفات أميركا وبحلف”الناتو”. وقف ضد مغامرة عسكرية في الخليج إثر الأزمة بين دول مجلس التعاون ، ويتمسك بدور واشنطن في مناطق صراع النفوذ العالمي.

    ترامب وتحت ضغط من محيطه السياسي والعسكري تراجع مؤقتا عن قرار اتخذه قبل أشهر بسحب القوات الأميركية من سورية، ليعود ويحسم أمره على نحو فاجأ القيادات السياسية والعسكرية من حوله.

    قرر ترامب ترك سورية مكتفيا بالنصر على داعش، لكن هل قرر أيضا ترك إيران وشأنها؟

    برر ترامب وإدارته استمرار الوجود الأميركي في سورية بعد القضاء على داعش، بمواجهة النفوذ الإيراني، واشترط الرئيس نفسه علنا سحب قواته بخروج إيران والقوات الموالية لها من سورية، ودعمه في هذا الموقف حلفاء خليجيون.

    كانت هذه المقاربة محل خلاف مع بعض الأطراف في المنطقة أبرزها الأردن والعراق. الأردن كان على قناعة تامة بأن الشرط الأميركي غير واقعي ويبدد فرص التوصل لتسوية في سورية. والعجيب في السياسة الاميركية بزمن ترامب أن مبعوثي إدارته كانوا يحاولون جاهدين ثني الأردن عن سياسته حيال سورية، ويطلقون التطمينات بأن الوجود الأميركي طويل ومستدام شرقي الفرات والتنف، في وقت كان فيه ترامب يستعد لإعلان سحب قواته.

    لم يأخذ الأردن على محمل الجد كلام المبعوثين، وعمل وفق مصفوفة مصالحه الوطنية والعربية، وأنجز بالتعاون مع موسكو ودول أخرى حزمة من التفاهمات التي كفلت حماية أمنه وأمن سورية. ويعتقد المراقبون في عمان أن الانسحاب الأميركي سيساهم في حلحلة الملفات العالقة، وأهمها تفكيك مخيم الركبان السوري الذي يشكل مصدر قلق أمني وإنساني للأردن. ويرجح في هذا المجال أن يشهد التنسيق الأردني الروسي تطورا نوعيا.

    الدور الإيراني في سورية لايمثل تهديدا وشيكا للأردن، وكان مثل هذا الوجود قائما من زمن بعيد دون أي تأثير يذكر على علاقات البلدين.

    القرار الأميركي ليس موجها ضد إسرائيل بالطبع، فقد أكدت الأحداث أنها قادرة على حماية مصالحها بنفسها ومواجهة التهديد الإيراني في سورية ولبنان بالاعتماد على قدراتها الذاتية، وإذا ما تنامى هذا التهديد فإن واشنطن وبصرف النظر عن هوية رئيسها لن تتوانى عن التدخل لحماية حليفتها الأولى في العالم.

    لم يظهر لغاية الآن مايشير إلى أن انسحاب أميركا من المشهد السوري، يعني تراجع واشنطن عن سياساتها المتشددة تجاه إيران. قبل أسابيع فقط دخلت حزمة العقوبات الأميركية الثانية ضد طهران حيز التنفيذ. ودول في الخليج العربي ماتزال ملتزمة بتمويل خطط واشنطن لحصار إيران.

    لكن ترامب لم يسحب قواته فقط من سورية، بل قرر سحب أعداد كبيرة من أفغانستان،أحد ميادين التنافس مع إيران وروسيا.
    هل يعد ذلك خطوة على طريق استراتيجية بعيدة المدى لإدارة ترامب عنوانها الإنغلاق على الذات، أم ترتيب المسرح الدولي والتفرغ لمواجهات حاسمة. لقد كان ماتيس قوة ردع في مواجهة تيار يدفع باتجاه الحرب مع إيران، ويعتقد أن خروجه من دائرة صناعة القرار، سيزيد من احتمالات المواجهة العسكرية مع إيران.
    أميركا اليوم رئيس بلا إدارة خلافا لعهودها الطويلة.





    [22-12-2018 09:46 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع