الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    في منع النشر وقضية “الدخان”!

    لم يتأخر النائب العام لمحكمة أمن الدولة طويلا حتى أصدر أمس قرارا بمنع تداول أي معلومات تتعلق بالتحقيقات بقضية “الدخان المزور” بعد جلب متهمها الأول عوني مطيع ليمثل امام العدالة، وبدء التحقيق معه من قبل مدعي عام المحكمة. المنع القضائي للنشر والتداول لأي معلومات تتعلق بالقضية جاء بعد وقت قصير من تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات بأن المحاكمة بقضية “الدخان” ستكون علنية ومفتوحة.

    رغم أن قرار منع النشر بهذه القضية التي هزت الرأي العام وأكلت الكثير من رصيد الدولة خلال الاشهر القليلة الماضية، قرار جدلي وثمة دائما تحفظات حقوقية واعلامية وسياسية تجاه قرارات منع النشر بالقضايا التي تهم الرأي العام، خاصة قضايا الفساد، فإن قرار النائب العام أمس جاء في سياق يمكن تبريره وتفهمه بعد أن انهالت عبر السوشال ميديا ومواقع التواصل “الروايات” والأنباء التي تتحدث عن تورط شخصيات ومسؤولين ونواب، ونشر أسماء صريحة ووضعها بخانة الإدانة قبل أن يقول القضاء كلمته.

    الإيمان بحرية التعبير والصحافة وتداول المعلومات والتعليقات المكفول دستوريا وقانونيا وإنسانيا، لا يعني بأي حال أخذ الإعلام أو مواقع التواصل لدور القضاء في الاتهام والإدانة حتى لو كان لدى الرأي العام ملاحظات وانتقادات على إدارة الحكومة لملف فساد ما، فكيف إذا كان الوضع كما تم في قضية الدخان؟ حيث حرصت الدولة على جلب المتهم الرئيسي وتقديمه للمحكمة، ما يسمح باستجلاء واستكمال كل النقاط الناقصة بالتحقيق وكشف ملابسات القضية والمتورطين فيها، دون افتئات أو تبلّ على أحد وبعيدا عن خلط الحابل بالنابل، الذي يمكن له أن ينجّي المذنبين الحقيقيين!

    المتابع لما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين الاردنيين يلاحظ أن البعض لا يتردد في توجيه الاتهامات هنا وهناك بقضايا فساد مفترضة بل وإدانة شخصيات بأسمائها دون دليل أو تثبت، ما يعظم من احتمال خسارة الرأي العام والناس لقضيتهم بالدفاع عن دولة القانون ومحاربة الفساد.

    لكن ذلك طبعا، لا يمكن أن يخفي أهمية ومحورية الضغط الذي يشكله تداول الناس للقضايا والمطالب المختلفة عبر مواقع التواصل وتكوين رأي عام صلب لا يمكن تجاوزه من قبل الحكومة. إلا أن هذا المصدر الكبير للقوة والذي يصعب جدا ضبطه وقولبته تحت “البنديرة” المعتادة تتآكل قوته وتأثيره وقدرته على فرض التغيير والاستجابة من قبل الحكومة، عندما تدخل عبره الإساءة الشخصية واستمراء توجيه الاتهامات واغتيال الشخصية دون دليل أو توثيق.

    لا يمكن لأحد أن يقلل من إيجابية جلب المتهم مطيع الى العدالة، وبدء العد تنازليا لإغلاق هذا الملف قضائيا، والذي راهن الكثيرون، على الأغلب لفقدان الثقة بالجانب الرسمي، على عدم متابعة تسلم هذا المتهم للسير حتى النهاية بالمحاسبة بهذا الملف، إلا أن تسلمه رسميا من تركيا بعد جهود رسمية حثيثة يصب بصالح الحكومة والدولة والحرص على عدم بقاء هذا الملف مفتوحا، ويعكس أيضا استجابة رسمية محمودة للرأي العام، الذي لم يكل أو يمل من رفع شعار ضرورة المحاسبة لكل المتورطين المحتملين واستعادة حقوق الخزينة في هذا الملف.

    نعتقد أن المنع القضائي للنشر والتداول بتفاصيل التحقيقات بهذه القضية، والذي نحترمه ونلتزم به، لن يطال المحاكمة العلنية لمتهميها بعد انتهاء التحقيقات أمام المدعي العام وبدء جلساتها، وكما تعهدت الحكومة يوم أمس.





    [20-12-2018 04:29 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع