الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    غضب واحتقان .. وسؤال “البولوبيف”!

    على غرار سؤال الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان: لماذا يكرهوننا؟! الذي طرحه تصاعد موجات العمليات الارهابية في الغرب، التي نفذت باسم القاعدة وتنظيمات ارهابية مصنفة على المسلمين، يطرح مسؤولون ونخب سياسية أردنية اليوم سؤالا شبيها لكن باتجاه آخر: لماذا يحتج الأردنيون ويواصلون التعبير عن كل هذا الغضب، بل وقل اليأس من أي إصلاح حكومي؟

    أحد الوزراء بالحكومة الحالية يتساءل -بكل صدق وبراءة- في جلسة خاصة: ما الذي يمكن أن تفعله الحكومة الحالية لخفض مستوى الاحتقان بالشارع؟! قانون الجرائم الالكترونية تم سحبه استجابة لمطالب الشارع والمعارضين، وتم تعديله بصورة ايجابية. العفو العام تم إقراره وسيصدر قريبا وهو استجابة للشارع والمعارضة والحراك أيضا.

    ويشرح الوزير ذاته أكثر: “تقرير ديوان المحاسبة وما ورد به من مخالفات تم “نفله” وإحالة اغلب ما ورد به للقضاء واستردت أموال تم التجاوز عليها. حتى قانون ضريبة الدخل، الذي أقرّ الوزير، بأنه “غير شعبي” فقد “حرصت الحكومة على عدم مساسه باغلبية المواطنين”، فيما تجنبت الحكومة منذ تسلمها المسؤولية قبل نحو ستة أشهر اتخاذ أية قرارات تشمل رفعا لأسعار السلع والخدمات.

    كذلك، وضعت الحكومة خطة ببرامج وأولويات اقتصادية واجتماعية واضحة ورصدت لها المخصصات ووفق برنامج زمني وآليات رقابة على الانجاز.. ليخلص الوزير إلى السؤال “الوجودي” الشبيه بسؤال فريدمان: ماذا نفعل أكثر كحكومة ليمنحنا الشارع فرصة زمنية حقيقية لتطبيق خطة الاصلاحات والمشاريع؟! كيف يتم خفض منسوب الاحتقان والغضب الذي ينعكس بتشاؤمية طاغية في الشارع، ورفعا لسقوف الاحتجاج، وتشكيكا بكل الخطاب الرسمي؟!

    قد يطول الشرح ولا نخرج بأجوبة سريعة وشافية لتساؤلات الوزير ومن خلفه الحكومة ونخب سياسية أخرى، لكني استذكرت أمام هذه التساؤلات قصة “البولوبيف” وتصريحات رئيس الوزراء السابق د. هاني الملقي، عندما خرج على الناس ليبرر حزمة القرارات التي اتخذتها حكومته العام الماضي بتوسيع مظلة ضريبة المبيعات لتشمل أكثر من 80 سلعة وخدمة جديدة ورفع نسبة الضريبة على سلع اخرى، حيث اكد الحرص على استثناء سلع غذائية كـ”البولوبيف” من الضريبة لأنه يعرف ما تعنيه للمواطن الفقير ومتوسط الدخل! متناسيا أن التدفئة والنقل أهم للمواطن من “البولوبيف”!

    وقبله كان رئيس الوزراء الأسبق د. عبد الله النسور، الذي لم يرف له جفن وهو يمطرنا بقرارات رفع الأسعار والضرائب وتحرير الاسعار، وكله طبعا بحجة رزينة هي مواجهة العجز بالموازنة وإزالة تشوهاتها وسداد المديونية، التي لم تسد بل وتضخمت أكثر. الاثنان (الملقي والنسور) وغيرهما ممن سبق، لم يكونوا معنيين بالنظر لأبعد من أرنبة أنوفهم بتقدير التأثير الكارثي لتلك القرارات وتراكمها على الأوضاع المعيشية والاقتصادية للناس، وعلى تآكل الدخول وانسحاق الطبقة الوسطى وطحن الفقيرة أكثر، وأيضا ضرب النمو الاقتصادي وإثقال كاهل قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات بالأعباء وضرب قدرتها على التنافس، بل ودفع العديد من مستثمريها للخروج من السوق، إما لخارج المملكة أو إلى “سواقة” و”الجويدة”!

    لم تكن تلك الحكومات تلتفت للتحذيرات من الآثار السلبية الكبيرة على المدى المتوسط والبعيد للقرارات التي ضربت الاوضاع المعيشية والاقتصادية كما “التسونامي”، إلى الدرجة التي انفجرت اليوم فقرا وانهيارا معيشيا لأغلب الطبقات والمواطنين، وغلاء معيشة يطال كل الخدمات والحاجات الاساسية، وسط تآكل الدخول وضعف الأجور وعدم قدرة على مجاراة تكاليف الحياة واستنزافا للمدخرات، المنقولة وغير المنقولة.

    إن أردت تفسير الغضب وحدة الاحتجاج واليأس من الإصلاح الرسمي اليوم وعدم الالتفات لكل الخطاب السياسي والاجتماعي “الناعم” لحكومة الرزاز، فانظر إلى حجم الانهيار المعيشي الذي يلف الناس، وعدم القدرة، حتى لمن تبقى من أبناء الطبقة الوسطى، على تلبية الحاجات الأساسية لأسرهم من نقل وتعليم وطبابة وغذاء وتدفئة وملبس!

    الانهيار المعيشي هو المعضلة اليوم التي يمكن أن تفسر حجم الغضب والاحتقان الشعبي.. فكيف ستحلها حكومة الرزاز؟!





    [17-12-2018 01:47 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع