الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    العفو العام بعد تردد

    حتى وقت قريب كانت فكرة العفو العام محل جدل وخلاف في أوساط المسؤولين، لا بل تراجعت نهائيا لصالح خيار عفو خاص يشمل عددا محدودا من الأحكام والقضايا.

    رأى المعترضون بالعفو العام طعنا بنهج سيادة القانون الذي تكافح مؤسسات الدولة لتكريسه، ناهيك عن الخسائر المالية المترتبة على إعفاء آلاف المواطنين من المخالفات والغرامات المستحقة لخزينة الدولة. في المقابل يمثل العفو بالنسبة للمؤيدين وسيلة لتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي واستيعاب المرحلة الاقتصادية الصعبة بكل تداعياتها.

    ظل ملف العفو محل أخذ ورد في أروقة صناعة القرار لعدة أسابيع، لكن مع تنامي حالة الاحتجاج وبروز العفو العام كمطلب رئيسي، بدأت الكفة تميل لتبني القرار والسير في إجراءاته.

    لم تترك الأزمة الاقتصادية هوامش واسعة للمناورة بحلول تخفف وطأة الحياة على الفئات المتوسطة والفقيرة. ورغم كل القرارات التي اتخذتها الحكومة لتأكيد جديتها في تخفيف آثار الأزمة على المواطنين، وتدخل مجلس النواب لتعديل قانون ضريبة الدخل لتحييد أوسع شريحة اجتماعية من أحكامه، إلا أن ذلك لم يؤثر بشكل كاف بالمزاج السلبي المهيمن في الشارع.

    الحلول السياسية وإن كانت مطلبا لأوساط واسعة، إلا أن نتائجها على المدى القريب غير ممكنة، خاصة وأن العناوين الاقتصادية هي ما يتصدر حراك الشارع في الوقت الحالي.

    بهذا المعنى يمكن القول إن سلة الخيارات محدودة إن لم تكن خاوية تماما من الحلول الاقتصادية والسياسية، فكان لا بد من إعادة النظر بالعفو العام، وتوسيع نطاقه ليشمل أكبر عدد ممكن من القضايا لامتصاص حالة الاحتقان وتحييد قطاع عريض من المجتمع بعيدا عن محاولات قوى حراكية لتعظيم حركة الاحتجاج في الشارع.

    في حديثه لبرنامج ستون دقيقة على التلفزيون الأردني حرص وزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامين على التأكيد بأن نطاق العفو سيكون واسعا رغم الاستثناءات المعهودة في قوانين العفو العام، وأشار بشكل خاص للجانب المتعلق بإعفاء المواطنين من مخالفات السير البسيطة و”ربما” المتوسطة والغرامات المالية، وعديد القضايا المنظورة أمام المحاكم او التي مازالت في طور الشكوى وتم على إثرها توقيف المشتكى عليهم.

    مشروع القانون وبعد إقراره من قبل مجلس الوزراء هذا الأسبوع سيحال إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال. النواب في غالبيتهم متلهفون لاستلامه ووضع لمساتهم عليه، لإرضاء أكبر عدد ممكن من قواعدهم الانتخابية.

    كان واضحا ان التوجيه الملكي للحكومة بإعداد قانون العفو العام أثار حالة من الارتياح في أوساط المواطنين، وكان السؤال الأكثر تداولا، هل يشمل مخالفات السير؟ في إشارة إلى أولوية البعد المالي على سواه من الاهتمامات.

    العفو سيخفف أيضا الضغوط على إدارة السجون التي تشكو من الاكتظاظ وما يترتب عليه من مشاكل ونفقات مالية.

    لكن مهما قلنا في فضائل العفو العام ومايثيره من ارتياح شعبي، إلا أنه مناسبة تذكرنا بعمق التحديات التي تقف في طريق تطبيق مبدأ سيادة القانون، وطغيان الاعتبارات السياسية والامنية في احيان كثيرة على كل الاعتبارات.





    [16-12-2018 09:55 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع