الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الحراكات والسترات

    لم تخلص جلسة الحوار التي جمعت رئيس الوزراء عمر الرزاز مع عدد من نشطاء الحراك إلى أي نتائج تذكر، ففي اليوم التالي عاد الحراكيون للاحتجاج في الشارع، ليتأكد ما كان معلوما من قبل؛كل متظاهر في الشارع يمثل نفسه لاغير.

    في عديد الدول تبرز ظواهر مشابهة، كان آخرها فرنسا، فبالرغم من نزول الآلاف إلى شوارع المدن الفرنسية تحت عنوان “السترات الصفراء” إلا أنها حافظت على طابعها كحركة احتجاجية تتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي عنوانا لها دون هيئات قيادية أو تنظيمية تتحدث باسمها. وفي تونس التي شهدت ثورة شعبية أعلن بالأمس عن إطلاق حركة “السترات الحمراء” للتظاهر قريبا.

    حركات الاحتجاج الشعبي في العالم بدأت تتخذ هذا الطابع، وظهر جليا في الأردن توصيف “الحراك” مع موجة الربيع العربي التي اجتاحت دولا عربية.
    في احتجاجات مساء الخميس الماضي، شاركت أحزاب سياسية بشكل رمزي، وحضرت رموز قيادية يمثلون هذه الأحزاب في ساحة الاعتصام. لكن أيا منهم لن يتجرأ للحديث باسم المعتصمين أو يفاوض الحكومة نيابة عنهم، والحال ذاته ينطبق على النقابات المهنية، التي أعلنت رسميا عدم مشاركتها في الاعتصام.

    بصرف النظر عن مستوى التطور الديمقراطي للدول، ثمة أزمة تضرب بمؤسسات العمل السياسي، أحد أهم تجلياتها انعدام الثقة بين الأحزاب والبرلمانات من جهة والجمهور العريض من المواطنين.

    الحركات الشعبوية والمجموعات العنصرية وحركات اليمين واليسار المتطرف، نتاج لهذه الحالة، وتبدو المجتمعات الأوروبية في الوقت الحالي مسرحا نشطا لهذه الحركات.

    لكن الدوافع متباينة وإن كانت الأوضاع الاقتصادية حاضرة على الدوام، ففي المجتمعات الغربية تكتسي قضية اللاجئين أهمية بالغة في الجدل السياسي والاجتماعي. ألمانيا مثال حي على ماخلقته قضية اللاجئين من انقسامات سياسية قد تغير خريطة القوى المهيمنة على المشهد السياسي في البلاد.

    في مجتمعات لم تبلغ بعد مرحلة التطور الديمقراطي كمجتمعاتنا العربية، تهيمن قضايا التنمية والظروف المعيشية على سلوك المحتجين وتتخذ الحراكات طابعا مناطقيا، سرعان ما تتوحد على شعارات اقتصادية وسياسية فضفاضة عبر آليات التواصل الإلكتروني.

    يصعب على هذا النوع من الحركات أن تتطور لأحزاب سياسية منظمة. تجربة الحراك الأردني في السنوات العشر الأخيرة أثبتت ذلك فما من مجموعة نشطة تحولت إلى حزب سياسي أو انتظمت في حزب قائم. مجموعة واحدة فقط خاضت الانتخابات النيابية بقائمة وطنية لكنها لم تفلح بالفوز.

    الحركات النشطة حاليا، مرت في مرحلة من الخمول الطويل تحت تأثير التحولات التي شهدتها الثورات الشعبية في العالم العربي، لكن الفشل هذا كان بحد ذاته سببا للتأزيم، إلى جانب الإخفاق السياسي والاقتصادي، فانطلقت الدعوات من جديد على وقع أزمة اقتصادية فاقمتها حالة الفوضى التي أصابت المنطقة، وماخلفته من نتائج كارثية على الاقتصاد الأردني.

    ماتسعى إليه الحركات حاليا هو إعادة إحياء حركة الشارع من جديد في محاكاة للحالة التي سادت في السنوات القليلة الماضية، حيث يجتمع المحتجون بشكل دوري نهاية الأسبوع وبعد صلاة الجمعة تحديدا للتعبير عن مواقفهم.

    حصل تغيير على هذا الصعيد مع تراجع دور الإسلاميين في الاحتجاجات، فاستبدلت ساحة صلاة الجمعة، بساحة مستشفى الأردن مساء كل خميس، كأقرب نقطة للدوار الرابع الذي دشنت احتجاجاته قبل ستة أشهر عودة الحراك بحلة جديدة. هل يعيد التاريخ نفسه؟ عادة لا يحصل ذلك إلا بشكل مأساوي.





    [15-12-2018 10:22 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع