الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    على حافة الأرض

    عبد الهادي الركب- عمّان

    منذ أن أُضيئت أول رقعة في خشبة المسرح، بدأت معالم واقعنا المرير تتجلّى و تتكشّف للجمهور.
    من حروب متخيّلة توهم نفسها وتوهمنا بالانتصارات، ومن صورة مجتمع يخنقنا بدخان رماديته، إلى فراشة حالمة تصوّرت بامرأة تحاول أن تحلّق بأحلامها إلى عالم خاص.


    هذا ما تجلّى في مسرحيّة " على حافّة الأرض " التي كتبها وأخرجها
    "بلال زيتون"، والتي عرضها على خشبة المركز الثقافي الملكي، متّخذاً من مسرحه أداة عريقة لإيصال رسائله الخاصة، عبر نصّ مسرحي متوازن.
    تمظهر على الخشبة عرضٌ يسمو إلى الإبهار، قام بتأدية شخوصه،
    " فلّة " آلاء حمّاد، و" عزيز " إبراهيم نوابنة، عبر فضاء لم تخلُ دلالاته من التحليق إلى عالم آخر هرباً من الواقع.
    تناولت المسرحية حياة "عزيز"، الذي يعيش في رقعة على حافّة هذه الأرض، مع زوجته المتخيّلة " فلّة " مع معاناته من حياته المليئة بالثّقل والتّعب وعدم القدرة على التواصل.
    يعيش في ظلّ حرب واهمة، صنعت بينه وبين الحياة الحقيقية جدران سميكة يصعب اجتيازها.
    يرسم "عزيز" بأدواته النّاجحة، أنموذجاً للممثّل الذي يقنعك بشخصيّته إلى حدّ التّصديق، فيطوف بفضاء واسع وشيّق لا يمكن لأحد إيقافه.
    فكان أداؤه صادقاً، يدلّ على مشاركته الوجدانيّة في ميلاد شخصية ثابتة، راسخة على الخشبة.
    شخصيّة "عزيز" أظهرت – من خلال تحويل النص المسرحي إلى رسائل_ أنّ ثمّة تشابه بين عزيز وبين كلّ فرد منّا، في رغبته الجّامحة أن يخرج بعيداّ إلى كون يبثّ فيه عوالم روحه.



    أمّا " فلّة " فكانت زينة حياة " عزيز "، كانت تلك اللوحة المليئة بالألوان، زوجته التي بمثابة عنصر تحفيز له، لتخرجه من عالمه.
    كانت فتاة حالمة بزوج يهيم بها، يمنحها قبلة حقيقية، تنقلها إلى عالمها المحبّب، بعد أن اجتاح حبّه قلبها، وبدأت تهمس له " قبّلني قبلةً واحدة فقط، وبعدها ينتهي كلّ شيء ".
    لتخطو أولى درجات العشق، لتصل في نهاية المطاف إلى طفل يكلّل ذاك الحب.
    استطاعت " فلّة " أن تجعل من نفسها أداة كبرى في إيصال المعنى الأسمى في المسرحيّة، لأنها كانت جسدو روح معاً، فأخذت بأيدينا في نهاية المسرحية إلى الجنّة المنشودة، وأبت أن تخرج معنا بعد ذلك.

    أداء جعل الجمهور يجد نفسه أمام لوحة سينمائية مبهرة شديدة الجمال.
    أما جماليّات الديكور والإضاءة فجاءت متقنة، من جهة تصميم المركبة التي نقلت "عزيز" و "فلة " إلى مرّيخهما الخاصّ، وصولاً إلى تفاحة فلة الحمراء.
    وكانت الموسيقى قويّة حاضرة، تجسّد شخصيّتي " عزيز " و " فلة " بعلوّها وانخفاضها، لتساهم في تكوين تواصل بين الجمهور والممثّلين بتأمّل وانسجام شديدين.
    انتهت المسرحية بمشهد بقاء " فلّة " في جنّتها، التي لطالما حلمت بها، وبقي " عزيز " في حربه الواهمة متالماً.
    وبقي الجمهور أمام هذه اللوحة، راسماً في خيالاته آمالاً في الوصول يوماً إلى جنّة تشبه جنّة فلّة.






    [18-11-2018 10:42 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع