الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الفساد الأكبر!

    قد يكون العنوان مضللا للوهلة الأولى؛ حيث أن لا فساد أكبر أو أصغر من ناحية المبدأ كما يفترض، لكن السياق هنا يتعلق بالفساد السياسي حتى لو لم تنتج عنه منافع مالية وفساد ذمم وضياع حقوق للخزينة، لكنه بالمحصلة يؤدي الى استشراء باقي أنواع الفساد، بل وما هو أسوا من الفساد المالي!

    الفساد السياسي المقصود هنا؛ هو المتمثل بعدم جدارة وكفاءة المسؤول أو القيادي العام لأداء مهامه وواجباته، والأكثر فسادا من هذا النوع غير الكفؤ هو المسؤول الذي يتهرب من مسؤولياته وواجباته، ويهمل بها ولا يضع تطبيقها وتنفيذها كأولوية التزاما بالقانون وباستحقاق السلطة التي يمثلها منصبه أو موقعه، وهو ما يؤدي إلى ضياع الحقوق والإخلال بخدمة الناس وحفظ حقوقهم، ويفتح الباب للتغول على القانون والمصالح العامة وضرب أساس فكرة دولة القانون والكفاية.

    في الجدل العام اليوم حول قضية الفساد يمكن ملاحظة أن المشكلة الأساسية لدى الرأي العام ليست في فساد طبقة المسؤولين بالنواحي المالية، فمستوى الرقابة الشعبية وحساسيتها انعكست أيضا على ارتفاع حساسية المؤسسات الرقابية وتشديدها على تجفيف أوجه الفساد إلى حد كبير، ناهيك طبعا عن عدم القدرة اليوم على تحمل عمليات فساد كبرى في ظل ما تعانيه الدولة وماليتها العامة من أعباء وتحديات ضخمة.

    المشكلة هنا لدى الرأي العام هي في ما يراه الناس من تقصير مفترض بمحاربة الفساد وباسترداد بعض خسائره بقضايا كبيرة كالفوسفات وغيرها، وسواء أكان هذا الانطباع بالتقصير صحيحا أو ملتبسا، فإنه هو الطاغي اليوم أكثر من قصة فساد هذا المسؤول أو ذاك، وهو ما يغذي هذا المخيال العام بوجود تغاض أو حتى تواطؤ مع فاسدين.

    الشاهد هنا؛ يصب في فكرة الفساد السياسي، لكن هذا الفساد يشمل مروحة أوسع وربما أخطر من قصة التغاضي عن فاسدي الذمم أو سارقي المال العام، وهو المسؤول الذي يتهرب من تحمل مسؤولياته تجنبا لوجع الرأس أو لفساد في اختياره لمنصبه، أو لمراعاته للأبعاد المناطقية أو الواسطة والمحسوبيات.

    ما نعانيه اليوم من ترد قيمي واستقواء على القانون وحقوق الناس وعنف مجتمعي، لا يعود فقط لعوامل اقتصادية واجتماعية وتردي الأوضاع المعيشية للناس فقط، بل يعود أيضا وفي جانب رئيسي منه إلى تفشي ظاهرة تهرب المسؤول من مسؤولياته، وتجنبه لمواجهة الخطأ تحت دعاوى "الحكمة" أو "حط راسك بين الروس.." أو لضعف في الشخصية والقدرات، ما انعكس وينعكس في أن يسود الاستقواء على القانون وتضيع حقوق الناس وتتفشى الفوضى الخطرة التي تضرب أساس العلاقة بين المواطن والدولة.

    ليس المطلوب من المسؤول، بل وليس مقبولا منه، أن يكون دكتاتوريا أو لا يحترم القانون والحريات العامة، لكن ليس مقبولا منه أن يتهرب من مسؤولياته ومن واجبات تطبيق القانون بشفافية وعدالة وحزم. وعليه أكثر أن يكون قادرا على الخروج على الناس وحتى على النواب وغيرهم من قوى ضغط ونفوذ، ليناقش بقراره ورؤيته لا ان يختبئ وراء جدران مكتبه أو خلف زملائه من مسؤولين آخرين، أو يرضخ لخرق القانون وعدم تطبيقه.

    استعادة هيبة الدولة وسيادة القانون تبدأ من تقديم المسؤول الكفؤ والقادر على تحمل مسؤولياته، فالمسؤول غير الكفؤ وغير الجريء قد يخرب أكثر بكثير من مسؤول فاسد ماليا!





    [04-10-2018 11:24 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع