الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    عبيدات يكتب: التنويري الأردني والقمصان التي يشتريها ابن تيمية

    سأفترضُ أنَّكَ قرأتَ ابن تيمية الحرّاني وفهمت سياقه التاريخي، بل سأفترضُ أنّك مهتمٌ بالبحثِ والحفرِ في تراثنا الديني. ثمَّ وجدتَ الكثيرَ من المغالطات التي لم يأتِ بها الرسول الأعظم ولم ترد في كتابه. يا سيّدي. سأفترضُ أنّكَ بذلتَ جهدًا مضنيًا في حصرِ الآياتِ الواردةِ في القرآن بشأن الجهاد والحرب وكانَ لكَ فيها رأيٌ نقديٌ معرفي. أنتَ فعلتَ هذا كله وتطرحُ نفسك "تنويري" أردني وتريدُ أن تبين رأيك لعامة المسلمين ليعيدوا النظر في دينهم.

    الواردُ في الفقرةِ السابقة يحتاجُ خمسين سنة من البحث، نصفُ قرنٍ كاملٍ من الدراسة والتشريح والتفكيك. سأفترضُ أنَّكَ فعلتَ هذا كله، عندها سأقبلُ منكَ نقدَ ابن تيمية، لا لأني "سلفيّ" كما يقول عني دواعش العلمانية الأردنية الذين كنتُ فيهم كما كان جبريل بين الملائكة -قبل اكتشاف وسخهم-. سأقبل نقدك لابن تيمية إذا كنتَ باحثًا حقيقيًا ولستَ على مقاس دعاة الدين الجديد الذي يطرحه المال العربي ووسائل إعلامه (يودون إقناعنا أن الله كسرة خبز والإسلام دين الرعب).

    سأقبلُ نقدك لابن تيمية حينما يكون نقدًا قائمًا على البحث والدرس، هذا أولًا. ثانيًا والأهم، أريدُ منك أن تُحْسنَ الخطاب مع السواد الأعظم من الأردنيين الذين يؤمنون بأن ابن تيمية شيخ للإسلام وفق ما تربوا عليه منذ قرن وأكثر، حتى أنَّ ابن تيمية أصبحَ مقدسًا بالنسبة لهم ومعه طائفة من الأئمة والمفسرين وكبار رجال الدين العرب والفرس. هذا ما هو أمامك؛ قبلتَ أم لم تقبلْ؛ وهنا تكمن فروسية التنويري الحقيقي، يكون أمام مشكلة عويصة، يبحثُ فيها، ينظرُ لها، يضع الحلول لمعالجتها، يخطط لها بهدوء ويضع في اعتباره أنه في مجتمع يقدسُ فتاوى ابن تيمية وأقرانه.

    يبدأ التنوير بالمحبة واللين (لأنه ضد الكره والظلام) وبهدوء (لأنه ليسَ غزوة) ثم تكسب الفئة المستهدفة، لأنك أمام مقدسات لا تقبل الخدش. وأكرر ليسَ لأنها صحيحة بقدر ما هي واقعة. يبدأُ التنويرُ من شخصيات لها قيمتها بين الناس وتحظى بثقة المسلم العامي، ثقة يستطيع التنويري أن يكسبها دون أن يلجأ لجهات تمول فكرة الإسلام الجديد (أن الله كسرة خبز والإسلام دين رعب)، ثقة تكسبها من قرى الأردن وأريافه وليست من خلال مؤتمرات السفارات وجلسات السمر التنويري وشخصيات مأزومة لا يحبها المسلم والمسيحي والبوذي وحتى الملحد، شخصيات نقية تقدمُ فكرة وآراء وليست مواقف مجانية تطرح على فيس بوك.

    كل حروب النور التي عرفها العالم، بدأت بالهوامش، ثم انطلقت إلى الجوهر، لأن جيش النور أقل من جيش الظلام، لكنك –أيًهَّا التنويري- بدأت غزوتك التنويرية بحفظة القرآن. القرآن بدايةً، الكتاب الذي يحرقُ الهنود والبكاستان والأفغان والصينيون والأندونيسون سفارات الكون كلما مسّه أحد. القرآن الذي لا يفارق بيوت ومركبات ومساجد وجلسات ومدارس ومناسبات الأردنيين! تريدُ نسقه تمامًا لتبدأ بعدها تنوير الهوامش. أنت هنا لا تختلف عن مفتي غسل الخيار والمكيف وأكل الجزر دون وجود الرجل. هنا يتساوى الظلام بنورك.

    هذه مشكلتكم يا تنويريي الأردن! مليئون بالمواقف والردح والانتقام وتهم العمالة والتمويل وبعضكم ينتقم من تاريخه الأسري. تنوير عل مقاس الحوالة المالية القادمة إلى "العلاونة ومشربش للصرافة"، تنوير يهدفُ إلى كسب اللايكات على فيس بوك، تنوير يهدفُ صاحبه إلى جرّ الناس إلى شتمه ليصبحَ مشهورًا ومُحّاربًا ثم يقدمُ على لجوءٍ بسبب الاضطهاد الديني الذي يتعرض له وبعد الحصول على الفيزا يتركنا مع الظلام الذي استفزه في عقول الناس وندفع نحن الثمن بينما هو على شاطئ دولة اللجوء ويلبس القميص المُشَجّر.





    [18-08-2018 11:53 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع