الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الرزاز وسيد قطب والمودودي

    د. مهند مبيضين


    لم تكن الفكرة الدستورية عربية نتاجا خاصاً بحزب او جهة، بل هي نتيجة لحالة الاصطدام بالغرب، والسعي نحو التحديث، هذا الأمر بدأ مع الاتراك عام 1876 ثم في إيران القاجارية 1905 ولاحقا عربياً بعد الثورة العرابية في مصر.
    ارتبطت الفكرة الدستورية بالحركة الوطنية، في الدول العربية، بينما اعتقد جل الإسلاميين بوجود أمة لا حدود لها، وبعضهم قال: لا حاجة للدستور ما دام القرآن موجودا، وهو دستور المسلمين، وهذا أمر قال به أبو الأعلى المودودي «بأن تنزع جميع سلطات الامر والتشريع من أيدي البشر» وبدا سيد قطب أكثر حدّة في رأيه حين بنى فكرته للحكم على ثنائية الجاهلية والحاكمية».
    والحاكمية لا توفر أي فرصة لأي نوع من التعاقد الاجتماعي لكي يتم، فقطب يقول:» إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي ينبثق منه مقومات الحياة... هذا الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى وجه أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية، إنه تُسند الحاكمية إلى البشر..».
    طبعاً، لهذا الكلام ردود ومواقف مغايرة من داخل المجال الإسلامي، هناك من رد على مقولة قطب باستعادة دستور المدينة حيث إن الرسول أوجد فكرة التشريع، من خارج الحاكمية، وهناك من رأى أن أفكار قطب والمودودي تمثل خروجا على الأفكار الإسلامية السائدة منذ قرن ونيف من الزمان، وقد رأى ذلك المفكر علي أومليل ثم رضوان السيد الذي اعتبر أن الحاكمية فكرة عقيمة وقابلة للجدل.
    الفكر الدستورية كانت عربياً أقرب إلى أفكار احمد لطفي السيد رائد الفكرة الليبرالية العربية، الذي كان يرى بـ»الدسترة» مسألة المسائل، وكذلك طه حسين، أما الإسلاميون فكانوا أكثر ابتعادا عنها للمآخذ التي رأوها فيها، لكن لا ننسى أن مفكرين إسلاميون عدّلوا من حدّة الموقف من الدسترة، فتضاءلت المسافة، بفعل تأثير رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني، وقد تبنى محمد رشيد رضى فكرة الدستور ولم يأنف من أن مصدرها الغرب، ولاحقاً حسن البنا يقرر أنّ «نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كلة إلى الإسلام».
    فهذا الحكم يضمن الحريات، والشورى فيه مستمدة من الأمة، والحاكم مسؤول أمام الشعب، ولم يرفض البنا الدستور المصري الذي كان نتاج حالة وطنية، بل طالب بتعديله ليلائم الشريعة، ووضع تقي الدين النبهاني دستوراً خاصاً تفصيليّاً للدولة المنتظرة.
    المقصد مما سبق هو أن الإسلاميين لم يكونوا في سلة واحدة من فكرة التعاقد والدسترة، وأن افكارهم تغيّرت، وأن هناك مقاربات اختلفت، وهناك حدّة لدى البعض في رؤية التجربة الدستورية لم تتغير وتجمدت.
    قبيل التصويت على الثقة بحكومة عمر الرزاز، جلس الرجل مع نواب كتلة الإصلاح، وصدر عن اللقاء خلاصة غير مبررة، وهي أن الرئيس ليس علمانياً، ثم حجبت الكتلة الثقة عن الحكومة، فهل كان أحد في مصر في زمن حسن البنا واحمد لطفي السيد وطه حسين يقول بمثل هذا القول، كان الصراع آنذاك على الأفكار كبير لكن الوطنية كانت غالبة ولأجل الوطن. فالرزاز حسب سردنا أعلاه، لم يكن بحاجة للبراءة من العلمانية او الليبرالية، بل هو أقرب إلى رشيد رضى والافغاني واحمد لطفي السيد من سيد قطب والمودودي وكتلة الإصلاح.





    [24-07-2018 10:45 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع