الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    تعريف (خاطرة أدبية)
    محمود أبوسنينة

    محمود أبوسنينة
    أنا وارِدُ هذي البحارِ منذ أن وجدت، و منذ أن استُخلِفت في أرضِ الله..
    لم يحنِ ظهري سوى قصيدةٍ أفلتَ منها بيتٌ لم أحفظه، أو نسمة مرّت ولم أعِ ما تحمله من رسائِلِ الشغف واللهف..
    خُلِقت من طينِ الكمدِ فالحياة عندي ليست سوى امتداد لتعبِ أمّي عند ولادتي، تنقلُ لي ذاك التعبَ لكي أعيشه بقيّة أيامي..

    أنتمي لأصحاب الأحلامِ، فلا تروقُني رغد ولا هناء، وعندي سعادُ زهير، وخولةُ طرفة، وعبلةُ عنترة..
    سأخبركم بطريقةٍ أخرى..

    أنا في الحديقةِ هذه مالكٌ متخفٍّ يترك المجال أمام المزارعين ليتدربوا على حصاد الثمار وتقليم الأشجار، أنا سيدٌ فوق هذه الأقمارِ وساقٍ لكلّ الندماء، أُسكرهم حتى يثملوا ويرتفعون في سماء أعددتها من العدم لأجلهم، أنا في هذا الوسط منفيّ كئيبٌ ترى أثر الورودِ على قلبي مهمّشاً، ترك الراحلون فيه كِسرةَ حبٍّ وذهبوا..

    سأُلقِي بِروحي مُجانِبَةً لهم في قُبُورِهم لو أرادَت شيئَاً من التمسّكِ ببقاياهُم، وسأُعيدُ النّخيلَ إلى مَزارِعِهِ الأوليّةِ، وسأُكرِّرُ بِناءَ قصوري فَوق فُتاتِ خيامِهِم،،
    فكُلُّ هذا قد وَعَيناه،،
    نحنُ لا نسقُط بعدَكُم، بل نُجَدِّدُ تشييدَ ما لَدينا..
    فأكثِروا من الغِياب، فنحن بحاجَةٍ للقوّة إثرَكُم..!
    أنا يا صديقةُ لا أشبِهُهم مطلقاً، لديّ فانوسٌ لا ينفَدُ زيتُه، وجدولٌ مكتظّ بتجسيدِ الأساطير، أنا يا صديقةُ أقلِبُ الدّنيا شيئاً فشيئاً، أخلِقُ بحوراً مستحيلة، وأكسّرُ الاعتياديات النمطيّة، أشتقّ من الجامدِ ألفَ تصريف، وأُعرِبُ المبنيّ، وأصَرِّف الممنوع، وأشيّدُ قصوراً في وسطِ ريفِيَ الكئيب..!
    ما زِلتُ أحلُم أنني أُقرى في بيت نَجمَةٍ سئمَت من السماءِ ونزلت إلى الأرض، واحتللتُ مكانَها..هذا افتراضيٌّ تماماً، فالحِقبةُ الأولى لَن تعود، كأي ليلة خَلَت من أسطورةِ الحُلْم الكبير..
    فأنا النجومُ وما استطاعَت أن تحمِل من بكاء الليل، وأنا سلالةُ النَّجمِ المتخفِّي في النهار، يبقى مستيقظاً ليدرِك ماذا يحدُث وقتَ نَومِ القمر..
    أنا الروح الكامنة في جلال الخلود الإلهي، و أنا مهلة الشيطان حتى يوم القيامة، و أنا استباق الضحى، الليل الطويل،
    أنا استبشار الخليل حين لم تقطع السكين عنق ولده، وأنا الرضى..
    أحمل في جعبتي خيطا من الشمس أنير فيه الذكريات، وأنا الموت حين تموت ..
    لا شيء يحدني ولا شيء يعرفني،
    أنا السماء..





    [09-07-2018 06:06 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع