الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حربنا التي نتعامى عنها

    ماهر ابو طير

    لا نحتاج حربًا تأتينا من الخارج، ولا عبر الحدود، اذ لدينا حربنا الخاصة، التي نتعامى عنها، باعتبارها تقع يوميا، دون اصوات متفجرات، ودون بيانات سياسية او اعلامية.

    الذي يتأمل دول الجوار، واغلب العالم العربي، يكتشف ان الانسان العربي، له حروبه الصغيرة والكبيرة، ومن بين حروبه التي لا يهتم بها احد، الفقر، وغياب التنمية، وتفشي الجوع، والامراض، وغياب المستقبل، وتفشي الفساد، وغير ذلك من قصص يعرفها الجميع.

    هنا، نحمد الله آناء الليل واطراف النهار، اننا نجونا من الحروب، كما دول الجوار، التي تحولت شعوبها الى ارقام في نشرات الاخبار، لكن مهلا، لماذا نتناسى حربنا التي نعيشها يوميا، على مدى سنين، دون ان نجد حلا لها، ولها ضحاياها من جرحى وقتلى وخسائر مالية مروعة، فوق الاضرار التي تتنزل على العائلات، وعلى كل القطاعات، بما في ذلك قطاع التأمين والصحة وغيرهما.

    حادثة الانقلاب الاخيرة على الطريق الصحراوي، مروعة، مثلها مثل بقية الحوادث، لكننا كالعادة سوف تثور اعصابنا، ونعود وننسى، والاصل هنا، ان تفتح الدولة كل ملفات حوادث السيارات في البلد، بدلا من قصة محددة، وقد عدت الى الموقع الالكتروني للامن العام، وفيه احصائيات خطيرة، عن حوادث السير، وعدد الضحايا، ونوعية الاضرار.

    عام 2015 مثلا، شهد حوادث كثيرة، ادت الى اصابة اكثر من ستة عشر الف شخص، ما بين اصابات بالغة او بسيطة، وتوفي اكثر من ستمائة شخص، فيما عام 2016 ارتفع الرقم الى اصابة اكثر من سبعة عشر الف شخص، ورحيل اكثر من سبعمائة وخمسين شخصا.

    الاحصاءات مروعة، وتشمل سنوات سابقة، ولاحقة، ولو جمعنا الارقام، لاكتشفنا بكل بساطة ان مئات الالاف تعرضوا الى اصابات دموية، بدرجات مختلفة، ورحل الالاف جراء الحوادث، وبددت البلد، المليارات لتغطية كلف العلاج والتأمين وغير ذلك من قضايا.

    هل يمكن التعامي عما يجري، واعتبار كل هذا امرا عاديا، ثم التباهي اننا لا نعيش حربنا الخاصة، حين يسقط مئات الاف الضحايا على مدى سنين متصلة، وكيف يمكن ان نعتبر ان هذه ليست حربا دموية، تستنزف البلد، وتضمه الى قائمة الكيانات الذبيحة، وان كان بشكل أخف، وتحت عنوان آخر؟.

    اين هي الحكومات، عن واقع البنية التحتية في البلد، واقع الشوارع الخربة، قطع الغيار المزورة، منح رخص القيادة بالوساطة، تحويل البلد الى مستنقع من الحديد تطوف فيه اكثر من مليون سيارة، اغلبها اساسا لا تصلح للاستيراد، وخفيفة الوزن، وهشة، لا تحتمل حادثا، ولا تحمي من فيها، لكنها تسللت الينا بقدرة قادر. اين هي الحكومات عن التجاوزات في القيادة، لسائقين لا يفهمون ولا يفقهون، خطر القيادة، فتجد الكل يتسابق في الشوارع، وتدخل على الخط الباصات والشاحنات، في سلوك همجي لبعض السائقين، حين يعرضون حياة الناس الى الخطر، فلا تردعهم مخالفة، ولا شرطة، ولا كاميرا، ما دامت « العطوات» ممكنة ومتوفرة.

    في دول اخرى، تعتبر بعض انواع الحوادث بمثابة جريمة قتل متعمدة. عندنا ينسبون الجريمة الى الله عز وجل ويقولون ان هذا قضاء وقدر، اي انهم فوق الكوارث التي يرتكبونها، ينسبونها الى الله زورا وبهتانا، بدلا من نسبها الى السائق الجاهل، في محاولة للتبرؤ من الجهل وكلفته.

    هي ذات القصة التي نراها في «العطوات» فيصير مطلوبا من العائلة المبتلاة برحيل الابن في حادث، ان يثبتوا حسن كرمهم واخلاقهم، فيتنازلوا عن حقوقهم، وهذا والله بلاء مركب، لانهم فوق مصيبتهم، يخضعون لامتحان اجتماعي حول نبل معدنهم، وعفوهم عن المخطئ.

    هذا الملف بحاجة الى معالجة كبرى، ليس بتحصيل المخالفات وحسب، بل بمراجعة كل الاسس التي اشرت اليها سابقا، بما في ذلك صلاحية كثير من السيارات والحافلات للبقاء في الشوارع، وصلاحية بقاء رخص القيادة، مع كثيرين، لا يستحقون ان تبقى بحوزتهم.

    ثم لا تقولوا لنا، اننا دون غيرنا لا حرب عندنا، لان العبرة بعدد الضحايا والجرحى والقتلى!؟.





    [23-04-2018 10:26 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع