الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حدود اختصاص الحاكم الاداري في القضايا الحقوقية

    عبد الكريم محسن أبو دلو


    في ظل تعاظم الحملة الانتقادية لمنظومة عمل الحاكم الإداري المتعلقة بنظره في القضايا الحقوقية، بتوجيه انتقادات لاذعة بسبب تدخل الحاكم الاداري في القضايا الحقوقية على زعم عدم اختصاص الحاكم الاداري بالنظر في هذه القضايا. ومع ان بعض الانتقادات محقة في جزء من جوانبها وفي حالات استثنائية لأسباب تعود اغلبها لآليات التنفيذ وليس التشريع.


    إلا انه لا بد من توضيح مسألة قانونية في غاية الأهمية هي أن القول بانعدام الاختصاص القانوني للحاكم الاداري المطلق بالنظر في القضايا الحقوقية هو قول غير دقيق، فالحاكم الاداري يعد صاحب اختصاص قانوني بالنظر في أنواع معينة من القضايا الحقوقية. حيث نظمت هذا الاختصاص المادة 21 من نظام التشكيلات الإدارية رقم 47 لسنة 2000 وتعديلاته عندما اسندت للحاكم الاداري الاختصاص عند وقوع اعتداء او غصب بيّن على اموال منقولة او غير منقولة او اي حقوق عينية بما في ذلك الاعتداء او الغصب لحقوق الانتفاع بمياه الري، وكان من شأن هذا الاعتداء او الغصب الاخلال بالأمن، ففي حال توفر هذه الشروط يتخذ الحاكم الاداري التدابير اللازمة لحفظ الأمن ويعمل على ايصال الحقوق لأصحابها.

    ولتقدير مدى تأثير الاعتداء او الغصب البيّن على الأمن، فقد قُيّد المتضرر لمراجعة الحاكم الاداري بمدة ثلاثين يوما من تاريخ حدوث أي منهما اذا كان –أي المتضرر- مقيما في المملكة، وخلال تسعين يوما اذا كان مقيما خارجها، باعتبار ان خلال هذه الفترة يمكن ان تثور نفسية المتضرر وتدفعه الى ارتكاب ما من شأنه أن يخل بالأمن دفاعا عن ملكيته الخاصة، و ُيسلب اختصاص الحاكم الاداري بالنظر بمثل هذه النزاعات بعد انقضاء تلك المدة دون اللجوء اليه.

    وتجدر الاشارة الى ان مثل هذا النص غير مقصور على الحالة الأردنية، ذلك ان بعض التشريعات العربية المتعلقة بالحكم المحلي والتنظيم الاداري تتضمن مثل هذا النص بإسناد الاختصاص للحاكم الاداري – أو من يماثله في تلك الدول- في حالة وقوع اعتداء او غصب بيّن على الاموال المنقولة او غير المنقولة.

    وتنطلق الفلسفة من وراء عقد الاختصاص للحاكم الاداري عند وقوع الاعتداء او الغصب البيّن على الاموال المنقولة او غير المنقولة من الوظيفة الأساسية للحاكم الاداري بالمحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، والتي منها المحافظة على الامن العام، بممارسة عمل وقائي يهدف بالنهاية إلى منع ارتكاب الجريمة.


    فتقديرا من المشرع لارتباط الملكية بالنفس البشرية وتعلقها الوثيق بشخص الانسان المجبول على حب التملك باعتباره حقا فطريا محميا بموجب الدستور والقانون، فقد توقع ان الاعتداء على الملكيات الخاصة - باعتبار ان الغصب يعد استيلاءً ظاهرا على حق الغير قهرا وبدون وجه حق - قد يحرك دوافع الشخص الداخلية بالدفاع عن أمواله المنقولة وغير المنقولة، مما قد يؤدي إلى احتمال الاخلال بالأمن او وقوع جريمة بما يؤثر على استقرار النظام العام بالمجمل.


    وتفاديا لهذه الاحتمالات ذهب المشرع إلى تنظيم اختصاص قانوني واضح للحاكم الاداري بالفصل في الاعتداء او الغصب البيّن على الاموال المنقولة او غير المنقولة بما يكفل رد الحقوق لأصحابها، حيث يمكن للحاكم الاداري الفصل في مثل هذه النزاعات وفق اجراءات مختصرة ووقت وجيز تضمن عدم اطالة أمد النزاع وبما يكفل استقرار الامن.


    كما إن هذا الاختصاص جاء منظما وفق ضمانات تكفل المحافظة على الامن وإيصال الحقوق لأصحابها من جهة، وتكفل من جهة اخرى المحافظة على استقلال القضاء وعدم التأثير على أحكامه عندما توقعت المادة 21 من نظام التشكيلات الادارية وجود حالات يتعذر فيها على الحاكم الاداري ايصال الحقوق لأصحابها في النزاع المتعلق بالاعتداء او الغصب البيّن، فنصت بأن يعمل الحاكم الاداري على ايداع الاموال المنقولة او غير المنقولة التي وقع عليها الاعتداء او الغصب لدى شخص ثالث، دون ان يكون للإجراءات التي يتخذها الحاكم الاداري تأثير في الحكم القضائي الذي يصدر من المحكمة المختصة، وعلى ان يبقى الاجراء المذكور قائما الى ان يصدر الحكم القطعي في القضية .


    بالتالي يتبيّن ان هناك اختصاصا قانونيا محددا على سبيل الاستثناء للحاكم الاداري بالنظر في بعض القضايا الحقوقية المتعلقة بالاعتداء او الغصب البيّن على الاموال المنقولة او غير المنقولة، بما ينسجم مع الدور الاصيل للحاكم الاداري ووظيفته الضبطية الوقائية بحماية النظام العام وحفظ الامن.





    [11-04-2018 12:08 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع