الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    العنب أم مقاتلة الناطور؟!

    آخر الأنباء أن الحكومة قررت تأجيل وضع مشروع جديد لقانون الضريبة عدة أشهر، الحديث المتداول اليوم أن وضع التشريع الجديد سيكون في حزيران المقبل ومخطط له أن يُقرّ بدورة نيابية استثنائية.
    الأسباب للترحيل متعددة؛ تبدأ من إدراك الحكومة لحساسية الفكرة كونها اليوم باتت قصة لا تقل أهميتها عند الأردنيين عن موضوع الخبز ورفع الدعم عنه، إن لم يكن أخطر، فمقابل رفع الدعم عن الخبز قدمت الحكومة دعما نقديا ماليا، أما وضع قانون جديد للضريبة فيعني أعباء مالية جديدة دون أي حماية للفئات التي سيطالها القانون.
    القصة الأخرى أن الحكومة طرحت مبدأ إجراء حوار وطني حول التغيير، وهذا بطبيعة الحال يستغرق وقتا، كما أن المهم أن يُقرّ القانون قبل نهاية العام ليدخل حيز التنفيذ مع السنة المالية المقبلة 2019.
    التغييرات المقترحة تنقسم إلى شقين؛ الأول، توسيع شرائح فئات الأفراد الذين يدفعون الضريبة، وهو الجزء الذي تتهرب الحكومة من الحديث حوله، فيما تختلف اللهجة عند تناولها للشق الثاني المزمع تعديله والمرتبط بمحاربة التهرب الضريبي.
    بين الشقين؛ الشق الأول هو الأسهل للتنفيذ، ولا يحتاج أكثر من برنامج صغير لتجعله نافذا، فيما الأثر المالي لهذا الجزء محدود جدا وبالكاد يصل عشرات الملايين، لكن بالمقابل سيعطب مزاج ملايين الأردنيين ممن تنوي الحكومة ملاحقتهم واقتطاع جزء من مداخيلهم الثابتة.
    أما الجزء الثاني، فهو الأهم والأصعب؛ إذ عجزت كل الحكومات السابقة، وربما اللاحقة، عن وضع حد للتهرب الضريبي، والأسباب متعددة؛ وهذا الهدف، على تعقيده، يحقق نتائج عكس تلك التي ينتجها الشق الأول، اذ تقدر الأرقام الرسمية التهرب الضريبي بمئات الملايين.
    فبمحاصرة التهرب الضريبي، إن تمت، ستفرح ملايين الأردنيين، وستعطي الأمل بأن الحكومة جادة هذه المرة وأن تطبيق مبدأ سيادة القانون بات واقعا، وهذا سيجلب أموالا كبيرة للخزينة تقدر بمئات الملايين، وهذه الأخيرة لا تقارن بالمبلغ الضئيل الذي سيتحقق من زيادة الضريبة على الأسر والأفراد.
    بمنطق الاقتصاد والربح والخسارة، وكذلك بقياس المصلحة العامة، يبدو ضروريا مراجعة قانون الضريبة، ولكن من الحكمة والمنطق وتقديرا لظروف الأردنيين على الحكومة أن تتسم بالحكمة وتبتعد عن جيوب الأسر ثابتة الدخل لأن فيها ما يكفيها.
    ليس لما سبق فحسب، بل عليها الانتظار، وأقصد الحكومة، حتى تعالج عجزها وتقوّم قصورها في تقديم خدمات لائقة للأردنيين من صحة وتعليم وغيرها حتى تقدم نموذجا في تطبيق مبدأ القيام بالواجبات قبل بالمطالبة بالحقوق، ثم بعد ذلك من حقها أن تفكر بزيادة الضريبة على الأفراد إرضاء لصندوق النقد الدولي.
    لأنه لو كانت الغاية مالية، فالأولى أن تعالج التهرب الضريبي أولا وأن تدعم الدولة بكل مؤسساتها خطة وزير المالية عمر ملحس في محاربة الفساد المتفشي في الدوائر التابعة لوزارة المالية، فذلك أكثر نفعا وسيجلب إيرادات أكثر للخزينة ويحقق جزءا من العدالة التي ما فتئ الأردنيون يحلمون بها.
    تعديل القانون من عدمه وزيادة الضرائب في هذه الفترة الحرجة تحتاج إلى عقلية وازنة متوازنة ومشتبكة مع واقع الناس، تدرك أن زيادة الضريبة على الأفراد والأسر مسألة خطيرة وحساسة، وهي في ميزان المصلحة العامة أثقل بكثير من بضعة دنانير يسعون لتحصيلها، فعلى الحكومة أن تسعى لأكل العنب وليس مقاتلة الناطور، أو قتله، ما يعني أن عليها أن تحارب التهرب الضريبي وتنأى بنفسها عن جيوب الأردنيين التي لم يعد فيها أي فائض تقدمه للخزينة.





    [01-04-2018 09:05 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع