الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الحكاية في الغوطة الشرقية

    وكأن البشر الذين في «الغوطة الشرقية» ليسوا إلاّ أكوام قشٍّ أو حطباً متناثراً ..النار تفعل فيهم الأفاعيل ولا تضحى برداً و سلاماً عليهم ..النارُ هناك لا تُبقي ولا تذر وهي لوّاحةٌ للبشر..!


    تكركبني المشاهد والأخبار التي تأتي من هناك ..فليس من المعقول أن كلّها مفبرك..و الحقيقة كلّ الحقيقة أننا نحن المشاهدين المُفَبْرَكون (بفتح الراء وليس بكسرها) ..نحن الذين تمّ جرّنا إلى وادٍ سحيق وتمت محاصرتنا فيه و ركّبوا لنا الشاشات العملاقة وبثّوا لنا بثاً مباشراً للمجزرة أو للمحرقة؛ سمّها ما شئتَ و استجلب مع التسمية ما تشاء من جُمل اللطم العربي ..!
    الحكايةُ كل الحكايةِ ..أننا صغار و دمنا رخيص..ولحمنا أرخص من خاروف نطيح يريد أن يموت فيركض صاحبه فينقذ لحمه بالذبح ..والكبار اللاعبون في الساحة السورية لا يفرّقون بين موتٍ وموت..فيعطون الموتَ رداءً لمن أراد الخروج بسلام الشواء..!


    منذ أيّام وأنا أهربُ من الصور و الصراخ و الاستغاثات التي تتوالى ..لا أريد أن أشعر بـ(التمسحة) من جديد ..لا أريد أن تسبقني دموعي و أكتفي بالحسرة والعبرة الخانقة ..لا أريد ذلك الشعور الذي يحيلني إلى جبلٍ من العجز وبحرٍ من الشلل ..! نعم كنتُ أهربُ وأهربُ..ولكني حيثُ يممتُ وجهي خرجت لي الصور و الأخبار وحاصرتني حتى عند أدنى التفاتةٍ ..والمصيبة أنها تلاحقني عند إغماضة العينين..!


    لا أعلمُ ما ستؤول إليه الغوطة الشرقية ..ولا أعلم معها متى سيشبع الغول من شواء لحم السوريين هناك ..ولا أعلم متى ستقشعر أبدان المجتمع الدولي إن كان له أبدان و تقشعر ..! ولكن الذي أعلمه أن هذه المحارق و المجازر و القصد في بثّ الصور؛ هو أمرٌ مقصود تماماً..فلم يعد القتل بصمت سمة القتلة..بل العذاب المبين هو الديدن الجديد..!


    القتل هناك في الغوطة الشرقية ..أمّا المخططُ فهو لكل الناظرين للقتل من أبناء جلدتهم ..من الضعفاء العاجزين أمثالي و أمثالكم والذين ليس لهم من مأوى إلاّ أوطانهم كي يحافظوا عليها من غبار القتلة..!





    [26-02-2018 10:12 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع