الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الملقي محاولا ملء الفراغ

    ردود الفعل القاسية التي أعقبت المقابلة التلفزيونية مع رئيس الوزراء د. هاني الملقي أول من أمس، كانت متوقعة، فالرئيس خرج للناس رغم معرفته التامة بمزاجهم الحاد وغضبهم من حكومته على كل القرارات الصعبة التي جاءت بها الحكومة.
    الناس انقسموا بين مؤيد ومنتقد ومعارض وساخر أيضا، ودشن الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاقات متعددة حول المقابلة، أبرزها #عنق الزجاجة و#الملقي، وحمل كلاهما نقدا شديدا للحكومة وأدائها، وأحيانا استخفافا بالكلام وعدم أخذه على محمل الجد.
    بصراحة؛ ردود الأفعال هذه طبيعية ومتوقعة في ظل المزاج الحاد الذي يحمله الأردنيون تجاه الحكومة الحالية بشكل خاص والحكومات السابقة بالعموم، بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها، والتي قامت على عديد قرارات قاسية أثقلت كاهل المواطن وحمّلته الكثير من الأعباء.
    بعد كل الضرائب الجديدة تبدو ردود الأفعال طبيعية، ومع ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وضعف قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل، يمكن القول إن التعليقات على المقابلة، حتى الساخرة منها واردة، فهذا المزاج صار مسيطرا على الأردنيين تعبيرا منهم عن غضب أو رفض لكل ما هو رسمي.
    المهم في موضوع المقابلة أن الرئيس قرر الحديث مع الناس ومواجهتهم بما لديه وما فعل وما يتوقع للمستقبل. وبإجراء المقابلة فتح حوارا حقيقيا مع المجتمع، سواء أعجب الأخير بمضمون اللقاء أو حتى رفضه من حيث المبدأ، إذ يبقى ظهور الرئيس إعلاميا لمخاطبة الأردنيين والتواصل معهم ضرورة ملحة.
    المقابلة الأخيرة عمليا هي الثالثة للرئيس خلال مدة وجوده في الدوار الرابع، وتوقيتها مهم وجريء لأن الملقي قرر الخروج في ظروف عامة وشخصية مختلفة، فعلى المستوى الشخصي يتلقى الملقي، كما أعلن، العلاج من ورم في منطقة الحلق (ندعو له بالسلامة والصحة)، كما أن الرأي العام يمور بغضب كبير عليه وعلى حكومته، ما أعطى أهمية كبيرة لتوقيت المقابلة.
    ثم إن المقابلة تضمنت صراحة كبيرة في التشخيص للواقع الحالي، على قسوته، واعترافات مهمة من الرئيس أهمها إدراكه فجوة الثقة بين الحكومة والناس وتأكيده عليها، واستعداده للخضوع للمحاسبة على أدائه خلال فترة رئاسته للحكومة.
    نسبة المشاهدة والمتابعة للمقابلة تؤكد مسألة مهمة هي حاجة الناس لتواصل المسؤولين معهم، والاشتباك في الحوار والنقاش، بحيث يشعر المتلقي بأنه شريك في القصة وفي اتخاذ القرارات التي تمس حياته، كما تعطيه الأمل بالمستقبل.
    الملقي قدم تعهداته للأردنيين بأن الانفراج سيكون بعد عام ونصف العام، وأن العام 2019 سيكون أفضل وأنهم سيلمسون نتائج ما فعلته الحكومة، إذ ظهر الرئيس كرجل دولة يتحمل مسؤولياته في هذه المرحلة الصعبة، وكانت لغته صادقة ومضمون كلامه يؤكد أنه مدرك لحجم التحديات والمشكلات التي ورثتها حكومته كتركة من حكومات سابقة، ويعلم جيدا تبعات قراراته على الناس.
    المهم في حديث الملقي أن يتكرر، لأن الاعتراف بحق الناس في المعرفة وشرح ماهية الأوضاع بالتأكيد مسألة مطلوبة، فيما الإنكار والاختباء بعيدا عن المجتمع يفاقم المشاكل ويعمق فجوة الثقة بين جميع الأطراف.
    الرئيس حاول أن يبعث برسائل، ورغم تأخرها إلا أن من الجيد أنها خرجت، حتى لا يترك الناس للفراغ، ما يعطي إشارات بأنه يدرك حجم المشكلة عند الأردنيين وخطورة الأزمة الداخلية، فحتى من كانوا ينزلون يوما للشارع احتجاجا على القرارات جلسوا ليلة الثلاثاء في منازلهم للاستماع للملقي.
    مجددا؛ على كل مسؤول أن يتحدث مع القطاعات التي يدير شؤونها، حتى لا يترك الناس للفراغ الذي بالعادة تملؤه العناكب، فمقابلة واحدة، بالتأكيد، لا تكفي لإقناع الناس وتسكين أوجاعهم إلى أن تنفرج الحالة.





    [15-02-2018 02:29 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع