الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    مثلث الفساد

    من جديد، لا أفشي سرا بالقول إن الفساد يعشعش في العديد من المؤسسات الرسمية، فهذا الخبر بات معلوما لكثيرين، ولا أبالغ بالقول إن أصواتا عديدة طالبت الحكومات المتعاقبة بضرورة محاربة هذا الفساد الذي يفقد الخزينة جزءا كبيرا من مصادرها المالية.
    الظاهرة واسعة، وليس ثمة تقديرات حولها، لكنّ مسؤولا مهمّا يقول إن ثلثي العاملين في المؤسسات الرسمية، قلت هذه النسبة أو زادت، مرتبطون بشكل أو بآخر بالظاهرة، مع التأكيد على عدم التعميم، فلا شك أن في هذه المؤسسات موظفين نزيهين ونظيفي اليد.
    اليوم، نتلمس أن ثمة توجهات نحو محاصرة الظاهرة، انعكست بخطوات حكومية يقودها وزير المالية عمر ملحس لهذه الغاية. إلا أن خطوة ملحس بدت كما لو أنه وضع يده في عش الدبابير، إذ سرعان ما بدأ المتضررون ردودهم على الوزير من خلال أخبار انتشرت على مواقع إخبارية تزعم أن ملحس تهرب من الضريبة! المعلومات حول محلس غير دقيقة، وكاتبة المقال اطلعت على وثائق رسمية تؤكد ان ملحس سدد كل المبالغ المستحقة حتى العام 2015 وهي السنة التي دخل فيها الحكومة.
    بصراحة، هذا الأمر متوقع، فالتخلص من الفساد ورموزه واقتلاعهم من المؤسسات الرسمية هو بمثابة معركة كبيرة، والمتضررون سوف يلجأون فيها إلى جميع أنواع الأسلحة، ومنها الكثير من الأسلحة القذرة التي سيحاولون من خلالها بثّ الأخبار المفبركة التي تنال من سمعة الذين يتصدون لهذه المهمة وتغتال شخصياتهم وإنجازاتهم.
    صحيح أن ملحس ردّ على هذه الأخبار بتحريك ثلاث قضايا، قدم فيها كل البينات التي تؤكد أنه لم يتهرب من تسديد الضرائب، لكن القصة ليست ملحس، بل ما يمثله اليوم من توجه، ونعلم يقينا أن كل من سيحاول فتح هذا "الصندوق الصدئ" سيجابه بتهم كثيرة وجاهزة من أجل إثباط همته و"ردعه" عن الاستمرار في هذه الطريق.
    الفاسدون، على اختلاف أنواعهم، الذين اعتادوا أن يأكلوا عرق الآخرين وحقوقهم، وكرد فعل وقائي أولا، وتشكيك بنزاهة ما سيتخذ من قرارات، سوف يخوضون حربا لا هوادة فيها من أجل أن تبقى "امتيازاتهم" جارية في المؤسسات الرسمية، وهي طبعا المؤسسات التي تشتبك مع الناس بمعاملات مباشرة، تمكنهم من استغلال موقعهم لإضاعة أموال كبيرة على الخزينة، وفي الوقت ذاته تحقيق مكتسبات مالية غير شرعية.
    حكومة الدكتور هاني الملقي تبدو جادة في إعلانها أن أولوياتها في المرحلة الحالية وعنوان برنامجها يتمثل بالإصلاح الإداري، وتحت هذا العنوان تضع الكثير من الأهداف، أهمها محاربة الفساد الصغير الذي طالما كتب الكثيرون عنه وعن حجمه ومدى تفشيه لسنوات ماضية طويلة، وما يزال فسادا قائما ويزداد حجمه بدون أن تتم مواجهته بالطرق الصحيحة من أجل تحجيمه.
    المؤسسات التي تعاني من هذه الظاهرة ثلاث؛ دائرة ضريبة الدخل، دائرة الأراضي والمساحة، ودائرة الجمارك، ولكي نصلح الأوضاع فيها علينا أن نقرّ أولا أنه لا يمكن اعتبار جميع من عمل تحت مظلتها فاسدا، مع الإقرار بأن ذلك لا يلغي أن الوضع في هذه المؤسسات بات من الصعب السكوت عليه، بل يتوجب التأكيد بأنه في حاجة لإصلاح جذري.





    [10-01-2018 01:41 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع