الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    وضعية القدس وشرعنة «الإرهاب»

    أحداث اليوم -

    حسن أبو هنية 

     

    كشف المسألة الفلسطينية عموما ووضعية القدس خصوصا عن خرافة أصول ومنابع «الإرهاب»، فعندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسميا في السادس من كانون أول 2017 اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، توالت التحذيرات من تصاعد العمليات «الإرهابية» من قبل أطراف تنتمي إلى ذات المنظومات الإمبريالية والاحتلالية والدكتاتورية التي تربط الإرهاب بالاعتقاد، فضلا عن الخبراء والباحثين، وهي مفارقة تقر بأن ما يطلق علية «الإرهاب» والتطرف العنيف ينبع من أسباب سياسية ظاهرة. الطبيعة السياسية لمفهوم الإرهاب التي تتجاوز المقاربات الابستمولوجية المعرفية، حيث يتحول مصطلح «الإرهاب» إلى مفهوم ذاتي غير موضوعي ومفروض وغير مفترض، فسلطة القوة السيادية الانتقائية هي من تتحكم في تعريف ماهية الإرهاب ومادته، وتحدد هوية الإرهابي وكينونته، فالخطاب السياسي الغربي الاستشراقي والثقافوي عموما والصهيوني خصوصا يقوم على الربط بين الفلسطيني والعربي والمسلم و»الإرهاب» بحيث أصبحت مفاهيم «العروبة» و»الإسلام» تنطوي على صفة هوياتية جوهرانية ستاتيكية ترتبط دلاليا بالشر والفساد، وباتت الهوية محددا أساسيا في معرفة العمل الإرهابي، فسياسات واستراتيجيات مكافحة الإرهاب الأميركية والأوروبية والاسرائيلية أصبحت تحدد ماهية الإرهاب بهوية الفاعل وليس بذات الفعل الإرهابي.


    من أهم أبعاد خطاب الإرهاب حسب جوزيف مسعد كونه خطابا لا عن «ضحايا الإرهاب» وإنما عن «مرتكبيه»، فالإرهابي ليس من يقوم باستهداف مدنيين ومسؤولين حكوميين وعسكريين، فجيوش الدول بشكل عام تستهدف في كثير من الأحيان نفس هؤلاء الضحايا دون أن توصم بالإرهاب، إذاً ما يعرِّف شخصاً أو جماعة بالإرهاب ليس العمل الإرهابي ذاته، وإنما على النقيض من ذلك، فهوية الشخص أو الجماعة كإرهابي هي التي تؤدي إلى وصف عملياته بالإرهاب، فالحالة الفلسطينية الصهيونية تثبت بأن الإرهاب يعمل بطريقة جدلية قوية ومتنقلة، فعلى صعيد الحجة، نقيض خطاب الإرهاب ليس إلا المادية التاريخية، وبعبارة أخرى، إنما هو التحليل التاريخي للقوى الاقتصادية والسياسية التي تملك سلطة تحويل مفاهيم موضوعية دون الحاجة إلى المنطق، بل من خلال سلطتها على فرض لامنطقها باعتباره منطقا. يبدو غياب المنطق في تحديد ماهية الارهاب واضحا في الحالة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكما هو واضح بالاحتفاء البريطاني بوعد بلفور، ذلك أن ذات الأنظمة الكولنيالية طالما وصفت الأعمال الصهيونية بالإرهابية، لكن ذلك لم يردع عزيمة صانعي السياسة الإسرائيليين عن الاستمرار في تدمير المجتمع الفلسطيني، واستخدام طرقٍ عنيفة ينعتونها بالإرهاب في حال استخدمها الفلسطينيون. فالصهاينة هم الطرف الأول في الشرق الأوسط الذي فجر السيارات، ووضع المتفجرات في الأسواق والمقاهي، فقد كانت إسرائيلُ أولَ دولة في العالم تقدم على خطف الطائرات، كما حدث بتاريخ 12 كانون أول 1954 عندما خطفت طائرة سورية وأرغمتها على الهبوط في إسرائيل ، وداوم سلاح الطيران الإسرائيلي على خطف طائرات تحلق في الأجواء الدولية، وإجبارها على الهبوط في إسرائيل، وإخضاع ركابها للتفتيش والاستجواب والاعتقال، وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي أسقطت طائرة مدنية كما حدث بتاريخ 21 شباط 1973 عندما أسقطت طائرة مدنية ليبية، أسفر الحادث عن مقتل مائة وثمانية ركاب كانوا على متنها، الأمر الذي يذكرنا بالتفجير الصهيوني لسفينة الركاب عام .1940 إن خطوة ترمب المتعلقة بوضع القدس نتيجة لمسار صهيوني استعماري ممنهج بتغيير معالم المدينة ونزع هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، فترمب محق بقوله أنه إنما يعترف أصلا بـ»واقع» قائم، فكما قال مسؤولون أميركيون إن هذه الخطوة هي اعتراف بحقيقتين: «تاريخية قائمة على أن المدينة تعتبر عاصمة دينية للشعب اليهودي، وأخرى حالية باعتبارها مركزا للحكومة الإسرائيلية»، وكان إدوارد سعيد قد تنبأ بمصير القدس في مقالة لافتة بعنوان «وضع القدس ومستقبل عملية السلام» منذ أكثر من عقدين من الزمن، فقد بيّن بجلاء نهج سياسة إسرائيل في منذ سنة 1967؛ الذي يتمثل أولاً في بناء تصوّر لما تريد أن يصدقه العالم، ثم العمل بكل عزيمة وتصميم على تحويل تلك الرؤيا إلى واقع. هكذا سبقت سياسةُ الإعلان التغيرات الفعلية على الأرض، وكان الجهر بالقدس «عاصمة أبدية موحدة» لإسرائيل، عبر العمل الذي اشتمل على ابتلاع القدس العربية، وتحويل سكانها، من خلال تكثيف الاستيطان، إلى أقلية حتى في الشطر الشرقي من المدينة، وفصلها عن محيطها في الضفة الغربية. يدرك الجميع أن الخطوة الأميركية تعزز من تنامي العنف الذي ينعت بالإرهاب في المنطقة، فحركات المقاومة والجماعات الجهادية الموصوفة بالإرهاب تؤكد في خطاباتها على أن الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أميركيا أحد أهم أسباب العنف، وبحسب فرانسوا بورغا فإن تنامي الحالة الجهادية برز في سياق ثلاثة ظروف استراتيجية؛ الأولى: محلية وطنية وتتمثل بإنغلاق الأنموذج السياسي وفشل وعود التحول الديمقراطية ورسوخ الاستبداد، والثانية: إقليمية وتتمثل بعدم التوصل إلى سلام عادل وحقيقي في فلسطين، والثالثة: عالمية وتتمثل بانهيار الاتحاد السوفيتي وسيادة القطب الأميركي الواحد وحلول العولمة. لم تكن الحركات الجهادية التي تصنف كحركات إرهابية أن تترك إعلان الرئيس الأميركي ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية يمر دون أن تستثمره في تبرير إيديولوجيتها، فقد سارعت الجهادية العالمية من تنظيم الدولة الإسلامية إلى تنظيم القاعدة بقيادته المركزية وكافة فروعه الإقليمية إلى إصدار بيانات لا تختلف في مضمونها عما يعتقده الناس في العالمين العربي والإسلامي تؤكد على أن الاعتراف الأمريكي هو ثمرة تواطؤ وتعاون وتضامن الإمبريالية الأميركية والمستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية والأنظمة الدكتاتورية، وهو ما يدركه ترمب حيث دعا في خطابه إلى «الهدوء والاعتدال لكي تعلو أصوات التسامح على أصوات دعاة الكراهية». خلاصة القول أن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل سوف يعزز مرة أخرى من جاذبية الإيديولوجية الجهادية، التي تستند في قوتها إلى صلابة خطابها وتماسك معجمها الهوياتي، وهو معجم ينهل من تراث تاريخي يتماهى مع المعتقدات الراسخة لشعوب المنطقة وتأويلاتها للواقع، فثمة قناعات واسعة وشائعة بتضامن الإمبريالية الأميركية والاستعمار الصهيوني واالدكتاتوريات المحلية، الأمر الذي يشير إلى أن ثمة أسباب موضوعية لظاهرة العنف في المنطقة وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وعاصمتها القدس وغياب أي منظورات عادلة لما يطلق عليه عملية سلام، فلا سلام دون عدالة.





    [11-12-2017 10:10 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع