الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "هنا" يُصنع مستقبلنا!

    لم أجد اهتماما يذكر من قبل الإعلاميين والسياسيين والمثقفين العرب (باستثناء المقال الجميل للزميل حازم الأمين في الحياة) بالتحقيق المطوّل المرعب الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية للصحافي البارز غيث عبد الأحد، مؤخراً بعنوان (بعد تحرير الموصل: حفلة جماعية للقتل). "After the Liberation of Mosul. An Orgy of killing".
    عبد الأحد معدّ التحقيق (الذي يكاد يصل إلى 10 آلاف كلمة، تحكي عن قصص ومشاهدات واقعية للصحافي) الذي رافق القوات العراقية في عملية "تحرير" الموصل من داعش، بخاصة في المرحلة الأخيرة المرتبطة بـ"المدينة القديمة"، قدّم لنا رواية تعزز المخاوف من أنّ هنالك حفلات قتل جماعية وتعذيب واحتقار لكل قيم حقوق الإنسان، والأخطر أنّ ذلك كلّه مسكون بالروح الطائفية وبمنطق الانتقام والانتصار الشيعي- الإيراني على "السنة العراقيين".
    التحقيق يذكّر بأنّ سيطرة داعش على الموصل تمّت بعد أن ضاق السنّة ذرعاً بالسياسات الطائفية، من قبل القوات العراقية والأمن، ما سهّل عمليات التجنيد لدى التنظيم وسهّل دعاياته الطائفية، بوصفه المدافع عن المجتمع والهوية السنية. أمّا اليوم فلا نتحدث عن سياسات طائفية بل عن عمليات قتل وتصفية للأشخاص على القاعدة نفسها، أو لمجرد الشكّ، من دون وجود أي رقابة أو مساءلة لما يحدث، سواء مع المعتقلين أو من يقتلون، أو في معسكرات الاعتقال المنتشرة!
    عبد الأحد ليس الصحافي الأول الذي ينقل لنا صورة مرعبة عمّا شاهده من بعد إخراج داعش من الموصل، فسبقه إلى ذلك صحافي آخر وهو علي آركادي، الذي نشر تحقيقاً هو الآخر، (قبل قرابة ستة أشهر) بعنوان "وحوش وليسوا أبطالاً" عن وحدات الجيش العراقي خلال عملية السيطرة على الموصل، وكان قد ذهب إلى هناك وهو يعتقد بأنّهم أبطال، ليغيّر رأيه بعدما وثقه من عمليات اغتصاب وقتل وتعذيب جماعية!
    نحن أمام كارثة إنسانية تتجاوز الموصل بطبيعة الحال، كما يلاحظ الصديق حازم الأمين، إلى أغلب "المدن السنيّة" (وأعتذر لهذا المصطلح، الذي أستخدمه لضرورات مرتبطة بوصف الواقع) التي وقعت بيد الميليشيات الإيرانية أو حزب الله أو النظام السوري، أو تلك التي تقع تحت الحصار من دون أن يكون هنالك أي صوت حقيقي عالٍ ضد ما يحدث من قبل المجتمع الدولي.
    بالأمس تصدّرت صورة مؤلمة لطفل سوري أصيب بقصف قوات النظام للغوطة الشرقية، وهو يصرخ من الألم، بلا علاجات أو معدات متطورة، وهي صورة من عشرات الآلاف من الصور التي تحكي فصولا مرعبة لما يحدث في العالم العربي حولنا، في سورية والعراق واليمن وليبيا!
    الإعلام العربي المغيّب عن هذا المشهد المرعب المزلزل في كثير من البقع العربية، لدمار أصاب عشرات المدن، التي تهدّمت وفي بعضها سكان قتلوا تحت الأنقاض، لمشهد جثث تملأ الأنهار والشوارع في الموصل تقتات عليها الحيوانات، لمئات الآلاف من العائلات البائسة في مخيمات قاتلة لكل معاني الإنسانية والكرامة، لعشرات الآلاف من المعتقلين والمسجونين، لعمليات قتل جماعية وانتهاكات بلا أي حسيب ولا رقيب لحقوق الإنسان، لحيوَنة الإنسان، على حد تعبير الأديب السوري ممدوح العدوان، في هذه المناخات الجميلة والبيئة الصحية النظيفة والظروف الرائعة يولد الإنسان العربي الجديد وينبثق مستقبلنا!
    بمناسبة هذا الحديث المرير ربما نجد بعضاً من توثيق مآسينا وكوارثنا وتسليط الضوء على معاناتنا العربية في مهرجان أفلام الكرامة المتخصص بحقوق الإنسان في المركز الثقافي الملكي من 5-10 الشهر المقبل بعنوان "أعطِ فرصة للحياة"!





    [29-11-2017 10:32 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع