الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    تغيير "المنهج"!

    تستحق الدراسة التي نشرها مؤخراً أ.د حمدي عبد الرحمن (أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة) بعنوان "منظور بديل لدراسة العلوم السياسية في شمال أفريقيا" (في الجريدة الأفريقية- الآسيوية للعلوم الاجتماعية) الاهتمام والقراءة المعمّقة من قبل المتخصصين في العلوم السياسية (والاجتماعية عموماً) في العالم العربي، وفي الأردن بصورة خاصة.
    يبدأ الباحث من تساؤل مرتبط بفشل علماء وأساتذة السياسة في مصر والعالم العربي عموماً بالتنبؤ بأحداث الربيع العربي في العام 2011؟ ثم فشلهم في التنبؤ بالأحداث اللاحقة من سيطرة الجيش على السلطة مرّة أخرى في مصر 2013، ويمكن تطبيق هذا الفشل على كثير من الأحداث والوقائع التي قلبت الواقع العربي في الأعوام الماضية.
    يلج بنا هذا التساؤل إلى مناقشة عميقة منهجية على درجة كبيرة من الأهمية لحالة حقل العلوم السياسية في العالم العربي، ومدى الضعف والقصور فيه، بالرغم من هذا الكمّ من الأساتذة والطلاب والباحثين ومراكز الدراسات والأبحاث.
    يحلل عبد الرحمن الأسباب التي تقف وراء هذا العجز المعرفي- البحثي العربي (بصورة خاصة الشمال الأفريقي) في مجال العلوم السياسية، ويشير إلى جملة من الأسباب منها أنّ نسبة كبيرة من أساتذة العلوم السياسية ما يزالون يدرّسون ويعتمدون النظريات والمناهج الغربية القديمة في العلوم السياسية، وربما يعود أغلبها إلى مرحلة الخمسينيات، مثلما هي الحال في نظريات التنمية السياسية، التي وُلدت مرتبطة بلحظة تاريخية معينة، وبضرورات سياسية مختلفة عن الحالة العربية عموماً، وهكذا، مثلما هي الحال في التناقض بين الأوضاع السياسية والتوجهات الأيديولوجية للباحثين من جهة، ومنطق البحث العلمي من جهةٍ ثانية، وعدم الانسجام بين أولويات المجتمع ومشكلاته وبين اهتمامات الأكاديميين والباحثين الواقعية!
    ثمّة تفاصيل عديدة مهمة في هذه الدراسة، عن المحاولات التي قامت في بعض الدول العربية، بخاصة في مصر، من أجل بناء مجتمع علمي لدراسة السياسة، أو بعبارة أخرى "توطين العلوم السياسية"، من خلال جهود حامد ربيع (العالم السياسي المعروف، الذي ركّز على الأبعاد الحضارية وعلى الفكر السياسي الإسلامي)، لكن حتى جهود ربيع لم تُترجم لاحقاً عبر تلاميذه في مجال بناء مفاهيم ومقتربات منهجية علمية أكثر دقّة وعمقاً في دراسة السياسات العربية والأنظمة السياسية وإشكاليات العلاقة بين السلطة والمجتمع والمدني والعسكري والدين والدولة وأزمات الهويات والأقليات في العالم العربي، فضلاً عن القدرة على تحليل الظواهر السياسية والاجتماعية، والانتقال منها لإدارة التغيير، والتنبؤ بسيناريوهات المراحل القادمة.
    أستدعي هذه الدراسة لأنّها تضعنا أمام جانب مغْفل تماماً، يتم التعامل معه بصورة ثانوية، من قبل أصحاب القرار في الأردن، وأعني هنا تماماً تجسير الفجوة الهائلة بين المعرفة والسياسة، ولا أقصد فقط البحث السياسي، على أهميته، بل العلوم الاجتماعية عموماً، لذلك لدينا نقص شديد، بل ندرة في الباحثين والخبراء، المتخصصين بقضايا تمثّل أولويات للمجتمع والدولة، بالرغم من الكم الهائل المتراكم من رسائل الماجستير والدكتوراة التي لا تساهم بأيّ درجة من الدرجات في العالم الواقعي، وكأنّ الجامعات الأردنية والباحثين من كوكب والسياسات العامة من كوكب آخر!
    لو أخذنا البحث السياسي، مثلاً، هنالك ضرورة اليوم لباحثين متخصصين بالشأن الإسرائيلي والإيراني والعراقي والسوري والسعودي، وفي دول آسيا الوسطى، بل وفي تحليل السياسة الخارجية الأردنية بصورة دقيقة، والنظام الإقليمي العربي، وأزمات الهوية العرقية والطائفية، وحالة الدولة الوطنية، كي نفهم المنطقة وما يحدث حولنا كي نعرف أين نضع أقدامنا، فلو عدنا لأبحاث ودراسات أساتذة السياسة والعلاقات الدولية والنظم السياسية والاجتماع السياسي..، كم سنجد مقاربات منهجية تساعدنا على ذلك؟! ما هي، إذاً، فائدة، كل هذه الأقسام والكليات والدرجات العلمية؟!





    [14-11-2017 10:23 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع