الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "هلا بالخميس"؟!

    طوال حياتي وأنا أشاهد حملات توعوية وتشجيعية مثل حملة التشجيع على ترك التدخين، أو ترشيد المياه، أو توفير الطاقة، فهي تستمر لعدة ايام ومن ثم تختفي.
    منذ اكثر من عام وحملة ("هلا بالخميس") متواصلة على امتداد مساحة الوطن العربي لم تنقطع خميسا واحدا وهي عبارة عن فيديوهات تتضمن بعض مشاهد الرقص الفاضح يتم تركيبها على الاغنية وترسل عبر تطبيق الواتس اب على نطاق واسع من بعد ظهر كل يوم خميس.
    تخيل أن المياه والكهرباء والانترنت قد تتعطل يوم الخميس في كثير من الدول، بينما لا يوجد خميس واحد انقطعت فيه فيديوهات "هلا بالخميس"!
    كما أن "هلا بالخميس" لا يمكن ان تتأثر بأية احداث، في بعض الاحيان تقع مجازر وحوادث ارهابية بشعة تجعل الانسان يتألم ويشعر بالحزن، او يتشاجر الرجل مع زوجته وتذهب الى منزل اهلها، وقد يأتي يوم الخميس نهاية الشهر حيث لا يوجد في جيب الرجل ثمن رغيف خبز لابنائه، ورغم تلك المصائب التي تجعل الانسان يصاب بالاكتئاب والعزلة الا ان ذلك لا يمنعه من ارسال فيديو "هلا بالخميس"!
    بعض المرضى ارسلوا فيديوهات "هلا بالخميس" من غرف العناية الحثيثة، وبعض المسافرين يرسلون الفيديو قبل ان يرسلوا موعد وصول طائراتهم، واذا نفد رصيد الانترنت من احدهم يوم الخميس بالذات فإنه يصاب بالجنون وسرعان ما ينهض مسرعا ليعيد الشحن، بينما لو طلب منه شراء دواء لارتفاع درجة حرارة أحد أبنائه لقال: الصباح رباح.
    الغريب أن "هلا بالخميس" لا تختص بفئة عمرية معينة، وهناك من خرجوا من الخدمة ومع ذلك يرسلون "هلا بالخميس"، أتعجب حقيقة من اهتمامهم بالخميس بدل ان يهتموا بأهلا بالآخرة، اهلا بحسن الختام، اهلا بالضغط والسكري والم المفاصل، كما ان كثيرا من الشباب العزابية يتداولون الفيديو مع ان الخميس بالنسبة لهم مثل الثلاثاء.
    من غنّى الاغنية كان يهدف بالترحيب بيوم الخميس لانه يسبق موعد العطلة الاسبوعية وانه يوم مرح ويخص العائلة بعد التحرر من قيود العمل.
    أيدٍ خبيثة عبثت بالاغنية وغيرت اهدافها لتصبح مادة لتذكير الرجال بمهامهم، فانجرف رجال الامة العربية وراءها بصورة هستيرية، والكل يسارع لإرسال الفيديوهات ليطالب غيره بان يكون (سبعا) مثله، وقد تكون الحقيقة غير ذلك.
    لا يوجد "هلا بالخميس" ولا هلا بالسبت في الصين او فرنسا او بريطانيا لان الثقة بالنفس موجودة على مدار الاسبوع بسبب راحة البال، بينما "هلا بالخميس" أصبحت ماركة عربية مسجلة لأن المواطن العربي اصبح من سياسات الحكومات واعباء المعيشة والكوارث التي تحيط بنا محطما نفسيا وجسديا، وعلى الرغم من التشجيع وعشرات الفيديوهات من "هلا بالخميس" الا انه اصبح يتمنى ان يلغى الخميس!
    اصبح مخزون ذاكرة هواتفنا الخلوية من فيديوهات "هلا بالخميس" اكثر من مخزون الامة العربية من النفط والغاز، والكل متأهب للرد، فعندما يصلك الفيديو أن ترد بمثله والا فانت موضع شك؟!
    هي ظاهرة تستحق الدراسة بعناية فائقة، والفيديوهات المتداولة بعيدة عن أخلاقنا وعاداتنا وديننا، و"هلا بالخميس" ما هي إلا حالة للهروب من نقصان الذات لإثبات الذات على الواتس اب.
    "هلا بالخميس" ستزداد انتشارا وستزيدنا إحباطا، فغيرنا يثبت الذات بأهلا بالنووي، وأهلا بالصواريخ العابرة للقارات، وأهلا بمن وصل المريخ، بينما نحن إنجازنا العظيم والوحيد "هلا بالخميس"؟!





    [08-11-2017 01:18 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع