الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    موت الأحزاب

    قد لا يتفق البعض مع تشخيص حزب التيار الوطني لأزمة الحياة الحزبية والذي دفع بقادته إلى التفكير بحل الحزب لشعورهم بعدم الجدوى، لكننا جميعا نقر بوجود الأزمة وما يصاحبها من شعور عام بالخيبة وعدم الرجاء من واقع الأحزاب القائمة ودورها في الحياة السياسية.
    الأمر يثير الحيرة حقا، ويستدعي نقاشا معمقا وغير تقليدي، فكل ما نسمعه من تحليلات ومداخلات في هذا الشأن لايزيد على كونه كلاما احتجاجيا تحركه في أغلب الأحيان دوافع ومنافع شخصية، فلا الأحزاب تملك جوابا لتوصيف الداء ولا الحكومات تحوز على وصفة للعلاج.
    منذ عودة الحياة الحزبية قبل أكثر من ربع قرن تأسست عشرات الأحزاب، وحتى يومنا هذا هناك مايزيد على خمسين حزبا مرخصا، لكن بعد كل هذه السنوات من عمليات الإصلاح والترميم السياسي المتواصلة، تشريعا وتنفيذا فإن المستفيد من العملية الشاقة هو الصنف الرديء من الأحزاب والحزبيين، تماما كما هو الحال مع الحياة البرلمانية والنخبة السياسية في البلاد. وانسحب الأمر على الحياة الإعلامية أيضا، فالظاهر بعد تبني الدولة شعار" حرية سقفها السماء" وتعديل وتطوير التشريعات الناظمة أن الصنف الرديء من الإعلام هو المستفيد من هذه الطفرة، بينما الإعلام الجاد والمسؤول يعاني الأمرّين.
    عملية الإصلاح السياسي برمتها أفضت لنتائج سيئة في الواقع. لا أعتقد أن الإشكالية هي في نقص الإرادة إنما في المخرجات وضعف الاستجابة لدى مؤسسات الدولة والقيادات السياسية على كافة المستويات، ويشمل ذلك القيادات الحزبية والفاعلين في ميدان العمل العام.
    باختصار الأحزاب والمؤسسات الرسمية لم تنجح في خلق حياة حزبية، لدينا أحزاب هذا صحيح لكن ليس لدينا حياة حزبية، ولدينا برلمان وليس حياة برلمانية. ولدينا مؤسسات لكننا نفتقر للمؤسسية. هذا ما أخفقنا في بنائه وخلقه.
    ولهذا ظلت الأحزاب على هامش الحياة السياسية، والبرلمان بلا أحزاب فاعلة، والإعلام بلا مؤسسات رائدة وقادرة على توجيه الحياة العامة في البلاد وصنع الرأي العام المسؤول والمتزن.
    لقد تحولت الأحزاب لعبء على موازنة الدولة، وباب من أبواب الارتزاق، ولو صدر في الغد قرار بحلها لما أكترث الناس له. ولو استطلعت رأي الشعب ببقاء البرلمان من عدمه لكانت النتائج مرعبة. والسبب أن الأحزاب ليست جزءا أصيلا من حياة المجتمع، والبرلمان في نظرهم مصدر رزق لأعضائه لا أكثر ولا أقل.
    الأحزاب ذاتها كانت تدرك هذا الواقع لكنها لم تفعل شيئا لتغييره، فباستثناء بضعة أحزاب نشطة، تناور في مساحات محدودة وتقليدية، لاتحوز أغلبية الأحزاب إلا على اسمها.
    يمكن لحزب التيار الوطني أن يتخذ قرارا فرديا بإنهاء حياته، غير أن ذلك لايحل المشكلة حتى لو سارت على خطاه أحزاب أخرى. نحن بحاجة إلى وقفة مع الذات؛ مؤسسات الدولة والأحزاب والقوى المعنية في المجتمع، لتشخيص المشكلات التي رافقت الحياة الحزبية منذ بداياتها. دعونا من تجارب الماضي فهى لاتصلح للقياس على الزمن الحاضر، لاتجربة الخمسينيات يعتد بها ولا مطلع التسعينيات. نحتاج لوثيقة عملية تعاين الوقائع كما هى وتسمي الأشياء بمسمياتها، وثيقة تمنح الأحزاب والبرلمانات مقومات الحياة الفعلية.





    [09-10-2017 09:05 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع