الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    دورات المياه .. أولوية!

    كشف تقرير صادر عن وزارة الصحّة بعد معاينة قرابة مائة مدرسة في العاصمة عمّان بأنّ غالبية دورات المياه في المدارس غير صالحة للاستعمال.
    بالطبع السبب الرئيس لذلك يعود إلى غياب الصيانة الدورية لهذه الدورات، وعدم الاهتمام بها، وكأنّها أمر ثانوي، لا أساسي، أو أنّها "تفصيلة" صغيرة، لا تعتبر، ضمن القضايا الكبرى التي تشغل بال المسؤولين، ومنها الأخبار المتتالية والشكاوى الهائلة عن اكتظاظ الصفوف المدرسية، بما يصل في بعضها إلى 50 طالباً، وفي بعضها لا يجد طلاب مقاعد يجلسون عليها، فضلاً عن انقطاع المياه عن مدارس، وعدم صلاحية البنية التحتية!
    في الحقيقة دورات المياه تعادل في أهميتها، بل تزيد، قيمة الصف المدرسي نفسه، وتعتبر أساسية بالمقدار نفسه للقاعة الصفيّة والمناهج التعليمية والكتب المدرسية، لأنّها مرفق رئيس، وتفصيل مهم جداً في حياة الطالب وقدرته على الاستيعاب والفهم والتكيّف مع البيئة المدرسية والتعامل بإيجابية مع صورة المدرسة!
    لماذا نستهين عادةً بالتفاصيل، ونتجاهلها، بالرغم من أنّها في كثير من الأحيان أهمّ بكثير من قضايا عديدة نشغل بالنا بها! ولماذا نتعامل مع موضوعات تعتبر أساسية ومفروغا منها، ويفترض غير مفكّر فيها من قبل الجميع، وكأنّها أمر ثانوي لا يستحق الاهتمام والانتباه!
    متأكّد من أنّ خبر وزارة الصحّة مرّ مرور الكرام على رئيس الوزراء والسادة الوزراء والمسؤولين، لأنّ أغلبهم اليوم يدرسون أبناءهم في مدارس توفّر الحدّ الأدنى من المرافق الضرورية! وربما يقول بعضهم ماذا تكتب يا رجل؛ هل انتهت مشكلات المنطقة والداخل كلها حتى تتحدث بهذه التفصيلة الصغيرة؟! هل أصبحت مشكلتنا دورات مياه المدارس؟!
    تعمّدت وضع عنوان المقال على هذا النحو، ليس فقط لأهمية دورات المياه، كما ذكرتُ سابقاً، بل لأكشف حجم الاختلال في منهجية التفكير لدينا، أيها السادة، ونفكّر بالمقلوب، رؤوسنا على الأرض وأقدامنا في السماء، ونخلط الملفات ببعضها، أو كما يقول محمد جابر الأنصاري: نريد أن نكنس الإمبريالية من بلادنا ونحن لم نكنس أبواب بيوتنا!
    تفاصيل الحياة اليومية مهمة جداً في علاقة المواطن بدولته، بثقافته بقيمه، بشعوره بالسعادة والراحة اليومية، بقدرته على بناء عقلية عملية تذلل الصعوبات، بمنطق العمل الميداني للمسؤول، وأهمية الثقافة في بناء المجتمعات والأمم!
    الطالب الذي يتعايش مع دورة مياه قذرة، ويعتقد أنّها أمر طبيعي، وهي غير صحيّة، وغير صالحة للاستخدام الإنساني، كما يذكر أغلب من درسوا في المدارس الحكومية، يمكن أن يتعايش مع أي شيء آخر، ويقبل بكثير من الأمور، ويقترف أموراً أخرى!
    المسألة هي قيم، ثقافة، حقوق إنسانية أساسية، من المفترض أن تكون ضمن المنظومة المفاهيمية والأخلاقية لدى الطلاب والمعلمين ولدينا جميعاً!
    مسألة النظافة ليست ترفاً أو أمراً ثانوياً في حياتنا، هي قيمة أساسية في ثقافة وحضارة الشعوب، ومن المفترض أن يتم تطبيق ذلك عملياً في حياة الطالب ويتعلمه قبل أن يتعلم القراءة والكتابة في الصفّ!
    هي منظومة متكاملة، دورات مياه غير نظيفة في المدارس الحكومية= دورات غير نظيفة ومرافق مهملة في الدوائر الحكومية= غياب دورات المياه أو إغلاقها وإهمالها في المرافق السياحية= سمعة سيئة وتعايش مع الأخطاء الكبرى!
    تذكرون قصة الزوار إلى البترا، وقبلهم ذكرنا قصة الزوار الأتراك، كما أخبرني سفيرنا السابق في أنقرة، إذ بذل جهوداً كبيرة لوضع الأردن على مسار رحلتهم، ثم تفاجأ بأنّهم يوصون بعضهم بعدم زيارة الأردن، لغياب مرافق دورات المياه النظيفة!
    القصة ليست دورات مياه فقط، بل ثقافة، إدارة، قيم، ونمط تفكير مضروب، مع الاعتذار!





    [01-10-2017 09:30 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع