الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    خطوة لتحسين المزاج

    في الآونة الأخيرة نما، بشكل ملحوظ، فهم العامة وإدراكهم لأهمية الحفاظ على المال العام، وتقدير المجتمع لفكرة حقوق دافعي الضرائب.
    لكنّ الفرق أن بروز الفكرة وحضورها في أذهان الناس العاديين لم يواكبه إدراك رسمي لضرورة تحقيق المعايير الموجهة للإنفاق المفيد، لذلك ما نزال نشهد كثيرا من التشوهات في الإنفاق العام، ما يحيله إلى نوع من الهدر في المال العام.
    هذه الفجوة بين القناعات الشعبية والتطلعات وبين السلوك الرسمي غير المنضبط زادت من اتساع أزمة الثقة وساهمت، أيضا، بتعميق المزاج السيئ محليا.
    وفي الوقت الذي تقدم فيه وعي المجتمع تجاه المسؤولية الأخلاقية للمسؤولين حيال تقصيرهم في إدارة ملفاتهم وتحقيق الاستخدام الأمثل للمال العام، ما تزال المنظومة التي تحكم هذه المسألة رافضة للفكرة، ولم نسمع أو نرَ مسؤولا قدم استقالته رضوخا عند رأي دافعي الضرائب.
    بعكس ما يجري عندنا، نشهد في العديد من دول العالم حالات تؤكد احترام المسؤول للمبادئ السابقة، آخرها كان في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أجبر وزير الصحة الأميركي توم برايس على تقديم استقالته يوم الجمعة الماضي، وسط فضيحة حول استخدامه طائرات خاصة مكلفة لرحلاته الحكومية، رغم أن وزارة الصحة أكدت أن الرحلات كانت ذات طابع حكومي، مدافعة بذلك عن شرعية النفقات، لكنها شملت أماكن يملك فيها برايس منازل.
    الوزير المستقيل، رغما عنه، قام بـ26 رحلة، على الأقل، منذ بداية العام، كلفت ما مجموعه 400 ألف دولار. الفضيحة لم تكن تحتاج إلا إلى خمسة أعضاء ديموقراطيين، فقط، في الكونغرس، دعوا الأربعاء إلى استقالة برايس الذي يعد من الأثرياء، بسبب رحلاته المكوكية التي قام بها بين واشنطن وفيلادلفيا على متن طائرة استأجرها بـ25 ألف دولار، على الرغم من وجود عدد كبير من الرحلات لخطوط شركات طيران عامة بين المدينتين الواقعتين على الساحل الشرقي.
    لدينا الحال مختلفة، فكثيرة هي القصص التي سمعناها حيال أوجه إنفاق غير رشيدة تتناسى أننا نعيش في ظل أزمة مالية خانقة، فالمسؤولون ما يزالون يسافرون على الدرجة الأولى والخاصة، وأعداد الوفود متضخمة بدون مبررات منطقية، والسيارات الحكومية تتحرك في كل مكان وبشكل مستفز للمجتمع.
    بصراحة الفكرة بسيطة، لكن نتائجها عظيمة، فإن لم يشعر المرء أن حكوماته ومسؤوليه يحترمون عقله، ويتفهمون الأبعاد الحقيقية للاعتداء على حقوق دافعي الضرائب، فسيكون لهذه السلوكيات نتائج خطيرة، بينما الانتباه لها سيحقق فوائد جمة.
    تكريس فكرة تقبل المسؤولين لتحمل المسؤولية الأخلاقية تجعل المواطن يدرك أهميته وتقدير المسؤولين لرأيه، كما أن فكرة المشاركة في اتخاذ القرار تجعل المواطن والمجتمع أكثر تمثيلا واندماجا في السياسات العامة، خصوصا إذا قصّر المسؤولون، لأن العمل العام تكليف وليس تشريفا، والموظف العام مهما علت مرتبته ليس إلا خادما للشعب، ومديرا لإدارة أموال المواطن التي يسددها للخزينة.
    الخلاصة أن التفكير في زيادة الإيرادات المحلية من ضرائب ورسوم سيبقى مستفزا للناس طالما لم يتزامن مع سياسات إنفاق حصيفة، وتطبيق حقيقي لمبدأ المسؤولية الأخلاقية والقانونية في إدارة المال العام.
    الأوجه المستفزة للناس كثيرة؛ فالهدر مستفز، والتهرب الضريبي مستفز، وطي الملفات الكثيرة من الأخطاء التي لا يتحمل مسؤوليتها أحد مستفز، وغياب الشفافية والحاكمية أيضا مستفز. لدينا الكثير من الملفات الشائكة والعالقة، والطريق الأقرب لإصلاح العطب الذي أصاب المزاج العام هو تكريس فكرة الشفافية والإفصاح، وأهم من ذلك احترام حقوق دافعي الضرائب، وإدارة المال العام ضمن معايير الحاكمية والرقابة.





    [01-10-2017 09:28 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع